بهم، وعسكر عبد الله بن أبيّ على ثنية الوداع، أي أسفل منها، لأن معسكره صلى الله عليه وسلم كان على ثنية الوداع، وكان عسكر عبد الله بن أبيّ أسفل منه. قال ابن إسحاق رحمه الله: وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين، أي والتعبير عن ذلك بالزعم واضح لأنه يبعد أن يكون عسكر عبد الله مساويا لعسكره صلى الله عليه وسلم فضلا عن كونه أكثر منه فليتأمل، وقال عند تخلفه: يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ والبلد البعيد: أي ما لا طاقة له به، يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب، والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال، يقول ذلك إرجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه أي وقيل للروم بنو الأصفر، لأنهم ولد روم بن العيص بن إسحاق نبي الله عليه السلام، وكان يسمى الأصفر لصفرة به.
فقد ذكر العلماء بأخبار القدماء أن العيص تزوّج بنت عمه إسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة، فقيل له الأصفر، وقيل الصفرة كانت بأبيه العيص.
ولما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثنية الوداع متوجها إلى تبوك عقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، ورايته صلى الله عليه وسلم العظمى للزبير رضي الله عنه، ودفع راية الأوس لأسيد بن حضير رضي الله عنه، وراية الخزرج إلى الحباب بن المنذر رضي الله عنه، ودفع لكل بطن من الأنصار ومن قبائل العرب لواء وراية، أي لبعضهم راية ولبعضهم لواء، وكان قد اجتمع جمع من المنافقين أي في بيت سويلم اليهودي، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر. أي وهم الروم كقتال العرب بعضهم بعضا، والله لكأنهم يعني الصحابة غدا مقرنون في الحبال، يقولون ذلك إرجافا وترهيبا للمؤمنين، والجلاد: الضرب بالسيوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك لعمار بن ياسر رضي الله عنه:«أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل بل قلتم كذا وكذا، فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه وقالوا إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التّوبة:
الآية ٦٥] وقال صلى الله عليه وسلم للجد بن قيس: يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر، قال: يا رسول الله أو تأذن لي أي في التخلف ولا تفتني، فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد أذنت لك، فأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي [التّوبة: الآية ٤٩] الآية. وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا تبوك تغنموا بني الأصفر نساء الروم، فقال قوم من المنافقين: ائذن لنا ولا تفتنا فأنزل الله تعالى الآية: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التّوبة: الآية ٤٩] » أي التي هي التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة عنه.
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال للجد بن قيس: «يا أبا قيس هل لك أن تخرج معنا لعلك