تحقب: أي تردف خلفك من بنات بني الأصفر، فقال ما تقدم» وعند ذلك لامه ولده عبد الله رضي الله عنه وقال له: والله ما يمنعك إلا النفاق، وسينزل الله فيك قرآنا فأخذ نعله وضرب به وجه ولده، فلما نزلت الآية قال له: ألم أقل لك؟ فقال له:
اسكت يالكع، فو الله لأنت أشد عليّ من محمد. وفي رواية أن الجد بن قيس لما امتنع واعتذر بما تقدّم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ولكن أعينك بمالي، فأنزل الله تعالى: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ [التّوبة: الآية ٥٣] وتقدّم أنه لم يبايع بيعة الرضوان، وتقدم أنه تاب من النفاق وحسنت توبته، وأنه صلى الله عليه وسلم قال لبني ساعدة:«من سيدكم؟ فقالوا:
الجد بن قيس على بخل فيه، فقال: وأي داء أدوأ من البخل؟ قالوا: يا رسول الله من سيدنا؟ فقال: بشر بن البراء بن معرور» . وفي رواية:«سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح» وذكر ابن عبد البر أن النفس أميل إلى الأوّل ومات الجد بن قيس في خلافة عثمان رضي الله عنه، وقال بعض المنافقين لبعض: لا تنفروا في الحرّ فأنزل الله تعالى:
قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ [التّوبة: الآية ٨١] أي يعلمون وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ [التّوبة: الآية ٩٠] أي وهم الضعفاء والمقلون مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ [التّوبة: الآية ٩٠] في التخلف فأذن لهم، وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة جراءة على الله ورسوله، وقد عناهم الله تعالى بقوله: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التّوبة: الآية ٩٠] .
قال السهيلي: وأهل التفسير يقولون إن آخر براءة نزل قبل أولها، وإن أوّل ما نزل منها: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا [التّوبة: الآية ٩٠] قيل معناه شبابا وشيوخا، وقيل أغنياء وفقراء، وقيل أصحاب شغل وغير ذي شغل وقيل ركبانا ورجالة، ثم نزل أولها في نبذ كل ذي عهد إلى صاحبة كما تقدّم.
وتخلف جمع من المسلمين منهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع من غير عذر، وكانوا ممن لا يتهم في إسلامه.
ولما خلف صلى الله عليه وسلم عليا كرّم الله وجهه أرجف به المنافقون، وقالوا ما خلفه إلا استثقالا له، وحين قيل فيه ذلك أخذ علي كرّم الله وجهه سلاحه، ثم خرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا استثقلتني وتخففت مني، فقال:«كذبوا، ولكنني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» أي فإن موسى عليه السلام حين توجه إلى ميقات ربه استخلف هارون عليه السلام في قومه، فرجع عليّ إلى المدينة.
وعن علي كرّم الله وجهه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة وخلف جعفرا في أهله، فقال جعفر: والله لا أتخلف عنك، فخلفني، فقلت: يا رسول الله أتخلفني