عن ابن مسعود رضي الله عنه، لجواز أن يكون قدومه بعد أن كفن بكفن الأنصاري، ولا ينافي ذلك ما تقدم من قول الراوي: فلما مات فعلا: أي زوجته وغلامه ذلك:
أي غسله وتكفينه، ولا ينافي ذلك قول الغلام لابن مسعود ومن معه: أعينونا على دفنه. ولا ينافي ذلك قول الراوي هنا: ودفنه: أي الفتى الأنصاري في النفر الذين معه، لأن ذلك يقال إذا اشتركوا مع غيرهم في ذلك.
وأبو ذر رضي الله عنه اسمه جندب، وقيل اسمه سلمة بن جنادة. وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع والقول بالحق. وقد قال صلى الله عليه وسلم في حقه: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر» وكان رضي الله عنه من الأقدمين في الإسلام. قال ابن عبد البر: كان خامس رجل أسلم فليتأمل.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أبو ذر في أمتي شبيه عيسى ابن مريم في زهده» وبعضهم يرويه: «من ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر» وإلى وجود ما أخبر صلى الله عليه وسلم عن أبي ذر من أنه يموت وحده أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله:
وعاش أبو ذر كما قلت وحده ... ومات وحيدا في بلاد بعيدة
قال: وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: لما كنا فيما بين الحجر وتبوك ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته بعد الفجر وتبعته بماء فأسفر الناس بصلاتهم التي هي صلاة الفجر فقدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فصلى بهم، فانتهى صلى الله عليه وسلم بعد أن توضأ ومسح خفيه لعبد الرحمن بن عوف وقد صلى ركعة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن ركعة وقام ليأتي بالركعة الثانية، وقال لهم صلى الله عليه وسلم بعد فراغه:
أحسنتم أو أصبتم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته» اهـ.
أي ولعل هذا لا ينافي ما تقدم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس، وقوله: «لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته» يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل خلف الصديق في هذه الغزوة حيث يصلي بالعسكر فليتأمل.
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: «عبد الرحمن سيد من سادات المسلمين» ولا يخالف هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: «لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته إلا خلف أبي بكر» أي في مرض موته، لأن المراد صلاة كاملة أو تكرر الصلاة.
هذا وفي الخصائص الصغرى: ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم فيما حكى القاضي عياض رحمه الله أنه لا يجوز لأحد أن يؤمه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا غيرها لا لعذر ولا لغيره.
وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك، ولا يكون أحد شافعا له وقد قال: «أئمتكم