شفعاؤكم» ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه:«ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم» فليتأمل.
ولما نزلوا تبوك وجدوا عينها قليلة الماء، فاغترف رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده غرفة من مائها فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت.
قال: وعن حذيقة رضي الله عنه «بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في الماء قلة أي ماء عين تبوك، أي وقد قال لهم صلى الله عليه وسلم: إنكم لتأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، وإنكم لن تنالوها حتى يضحا النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي، وأمر صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي بذلك فجئناها فإذا العين مثل الشراك تبض من مائها، وقد سبق إليها رجلان: أي من المنافقين ومسا من مائها فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك» وفي رواية: «سبق إليها أربعة من المنافقين، ثم إنهم غرفوا من تلك العين قليلا قليلا حتى اجتمع شيء في شن فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه ومضمض ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير» وفي رواية: «فجعلوا فيها سهاما دفعها صلى الله عليه وسلم لهم، فجاشت بالماء» وإلى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله:
وحينئذ أي وحين إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جعل السهام في عين تبوك يسقط الاعتراض بأن وقع النبل لم يكن بتبوك وإنما كان بالحديبية على أن الذي بالحديبية إنما هو غرز سهم واحد لا سهم فليتأمل.
ثم قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ:«يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هنا ملىء جنانا» أي بساتين، وذكر ابن عبد البر رحمه الله عن بعضهم. قال: أنا رأيت ذلك الموضع كله حوالى تلك العين جنانا خضرة نضرة.
وقبل قدومهم تبوك بليلة نام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يستيقظ حتى كادت الشمس قيد رمح، أي وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لبلال: اكلأ لنا الفجر فأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه قال: ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر؟ وفي رواية أن بلالا رضي الله عنه قال لهم ناموا وأنا أوقظكم: فاضطجعوا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال أين ما قلت؟ قال: يا رسول الله ذهب بي مثل الذي ذهب بك، أي وفي لفظ: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، وقال صلى الله عليه وسلم للصديق: إن الشيطان صار يهدأ بلالا للنوم كما يهدّأ الصبي حتى ينام، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا وسأله عن سبب نومه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به النبي الصديق، فقال الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك رسول الله، فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله غير بعيد. ثم صلى وتقدم في خيبر: أي في غزوة وادي القرى، فإنها كانت عند منصرفه من خيبر، الخلاف في أي غزوة كان وسار صلى الله عليه وسلم