للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: كان قائله سرى إليه ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم جمع بني لحيان في الدعاء عليهم مع من ذكر قبله. وسيأتي أنه إنما جمعهم معهم لأن خبر أصحاب الرجيع وأصحاب بئر معونة جاءه صلى الله عليه وسلم في يوم واحد وبنو لحيان أصحاب الرجيع، فدعا عليهم دعاء واحدا، والله أعلم، فلما دعا تلك القبائل الثلاثة التي هي عصية ورعل وذكوان أجابوه إلى ذلك، ثم خرجوا حتى أحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم إلا كعب بن زيد رضي الله تعالى عنه، فإنه بقي به رمق، وحمل من المعركة، فعاش بعد ذلك حتى قتل يوم الخندق شهيدا، وإلا عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه ورجلا آخر كانا في سرح القوم، لما أحاطوا بهم قالوا: اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك، فأقرأه منا السلام، فأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك، فقال: وعليهم السلام.

أي وفي لفظ أنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا فلما جاءه الخبر من السماء قام صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن إخوانكم قد لقوا المشركين، وقتلوهم، وإنهم قالوا: ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا ورضينا عنه ورضي عنا ربنا. وفي لفظ: فرضي عنا وأرضانا فأنا رسولهم إليكم إنهم قد رضوا عنه ورضي عنهم.

وذكر أنس رضي الله عنه أن ذلك: أي قولهم المذكور كان قرآنا يتلى، ثم نسخت تلاوته، أي فصار ليس له حكم القرآن من التعبد بتلاوته وأنه لا يمسه إلا الطاهر ولا يتلى في صلاة إلى غير ذلك من أحكام القرآن.

ولما رأى عمرو بن أمية والرجل الذي معه الطير تحوم على محل أصحابهما، أي وكانا في رعاية إبل القوم كما تقدم، قالا والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا ينظران، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الرجل الذي مع عمرو: ماذا ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال له لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، فأقبلا فلقيا القوم، فقتل ذلك الرجل وأسر عمرو، فأخبرهم أنه من مضر. فأخذه عامر بن الطفيل وجز ناصيته. وأعتقه عن رقبة كانت على أمه. فخرج عمرو حتى جاء إلى ظل فجلس فيه.

فأقبل رجلان حتى نزلا به معه، فسألهما فأخبراه أنهما من بني عامر، وفي لفظ من بني سليم وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو. فأمهلهما حتى ناما فعدا عليهما فقتلهما وهو يرى أي يظن أنه قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر، فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر وأخبره بقتل الرجلين، فقال له: لقد قتلت قتيلين لأدينهما: أي لأدفعن ديتهما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عمل أبي براء. قد كنت لهذا كارها متخوفا. ولما بلغ أبا براء أن عامر بن الطفيل ولد أخيه

<<  <  ج: ص:  >  >>