ولا يخالف ذلك ما تقدم من أن حليلا آخر من ولي أمر البيت والحكم بمكة، لجواز أن يكون المراد آخر من ولي ذلك، واستمر كذلك إلى أن مات. قال بعضهم:
وكان أبو غبشان خالا لقصي، وكان في عقله شيء، فخدعه قصي فاشترى منه أمر مكة والبيت بأذواد من الإبل.
والجمع بين هذه الروايات من أن قصيا أخذه من أبي غبشان بزق خمر، وبين أنه أخذ ذلك بأثواب وأبعرة، وبين أنه أخذ ذلك بأذواد من الإبل ممكن، لجواز أن يكون جمع بين الخمر والأثواب والإبل فوقع الاقتصار على بعضها من بعض الرواة تأمل. ثم جمع قصي قريشا بعد تفرقها في البلاد وجعلها اثنتي عشرة قبيلة كما سيأتي، ومن ثم قيل له مجمع. وفي كلام بعضهم: ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم مجمعا، وإلى ذلك يشير قول الشاعر:
قصي لعمري كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
وهذا البيت من قصيدة مدح بها عبد المطلب مدحه بها حذافة بن غانم، فإن ركبا من جذام فقدوا رجلا منهم غالته بيوت مكة، فلقوا حذافة فأخذوه فربطوه ثم انطلقوا به، فتلقاهم عبد المطلب مقبلا من الطائف معه ابنه أبو لهب يقوده وقد ذهب بصره، فلما نظر إليه حذافة هتف به، فقال عبد المطلب لأبي لهب: ويلك ما هذا؟
قال: هذا حذافة بن غانم مربوطا مع ركب، قال الحقهم واسألهم ما شأنهم، فلحقهم فأخبروه الخبر، فرجع إلى عبد المطلب، فقال ما معك؟ قال: والله ما معي شيء، قال: الحقهم لا أم لك وأعطهم ما بيدك وأطلق الرجل، فلحقهم أبو لهب فقال: قد عرفتم تجارتي ومالي، وأنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا وعشرا من الإبل وفرسا، وهذا ردائي رهنا بذلك، فقبلوه منه وأطلقوا حذافة فأقبل به، فلما سمع عبد المطلب صوت أبي لهب قال: وأبي إنك لعاص؟ ارجع لا أم لك، قال: يا أبتاه هذا الرجل معي، فناداه يا حذافة أسمعني صوتك فقال: ها أنا ذا بأبي أنت يا ساقي الحجيج أردفني، فأردفه خلفه حتى دخل مكة، فقال حذافة هذه القصيدة ومطلعها:
بنو شيبة الحمد الذي كان وجهه ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر
وهي قصيدة جيدة.
فإن قيل: كيف قبل القوم من أبي لهب رهن ردائه على ما ذكره لهم في أن يخلوا عن الرجل مع أن رداءه لا يقع موقعا من ذلك؟
أجيب: بأن سنة العرب وطريقتهم أن الواحد منهم إذا رهن غيره ولو شيئا حقيرا على أمر جليل لا يقدر، بل يحرص على وفاء ما رهن عليه، ومن ثم لما أجدبت أرض تميم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذهب سيدهم حاجب بن زرارة والد عطارد