أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه إلى أصحابه وقال:
هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: انصرفي يا أسماء، واعلمي بأنك من النساء، إنّ حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال» أي من حضور الجماعات وشهود الجنائز والجهاد، فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشارا بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتبعل: ملاعبة المرأة لزوجها، والله أعلم.
قالت حليمة: وكان ينزل عليه صلى الله عليه وسلم كل يوم نور كنور الشمس ثم ينجلي عنه، وإلى قصة رضاعه صلى الله عليه وسلم يشير صاحب الهمزية بقوله:
وبدت في رضاعه معجزات ... ليس فيها عن العيون خفاء
إذ أتته ليتمه مرضعات ... قلن ما في اليتيم عنا غناء
فأتته من آل سعد فتاة ... قد أبتها لفقرها الرضعاء
أرضعته لبانها فسقتها ... وبنيها ألبانهن الشاء
أصبحت شوّلا عجافا وأمست ... ما بها شائل ولا عجفاء
أخصب العيش عندها بعد محل ... إذ غدا للنبي منها غذاء
يا لها منة لقد ضوعف الأجر ... عليها من جنسها والجزاء
وإذا سخر الإله أناسا ... لسعيد فإنهم سعداء
أي وظهرت في رضاعه؟ وفي زمن رضاعه صلى الله عليه وسلم أمور خارقة للعادة لوضوحها لا تخفى على العيون.
فمن ذلك أن المراضع أبين أن يأخذنه صلى الله عليه وسلم لأجل يتمه، فبعد أن تركته أتت فتاة من آل سعد قد أبتها أهل الرضعاء لفقرها فسقته لبنها فسقتها وبنيها الشاء ألبانها، وكانت تلك الشياه لا لبن بها بل هزيلات، فصارت ذات ألبان وسمن.
ومن ذلك أن العيش كثر عندها بعد شدة المحل لأجل حصول غذاء النبي صلى الله عليه وسلم:
يا لها أي لتلك الخصلة الصادرة من حليمة وهي سقيها له لبنها نعمة منها عليه، لقد كرر الثواب والجزاء على تلك النعمة من جنس تلك النعمة، لأن الجزاء من جنس العمل فلما سقت اللبن سقيته، ولا بدع فإن الله تعالى إذا سخر أناسا لمحبة سعيد والقيام بخدمته فإنهم بسبب ذلك سعداء.
أقول: لم أقف على رواية فيها أن حليمة أبتها أهل الرضعاء لفقرها وكأن الناظم أخذ ذلك من قولها: فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره ولا دلالة في ذلك.