قال: كثرة الكلام، وقيل كان عمر أسامة رضي الله تعالى عنه عشرين سنة.
ولما بلغ رسول الله مقالتهم وطعنهم في ولايته مع حداثة سنه غضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق الإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإنهما مظنة لكل خير، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم، وتقدم أنه رضي الله تعالى عنه كان يقال له الحب ابن الحب. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح خشمه وهو صغير بثوبه.
ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخرجون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: أرسلوا بعث أسامة، أي واستثنى صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره بالصلاة بالناس.
أي فلا منافاة بين القول بأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه، لأنه كان من جملة الجيش أوّلا، وتخلف لما أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس.
وبهذا يرد قول الرافضة طعنا في أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه تخلف عن جيش أسامة رضي الله تعالى عنه، لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم لأجل صلاته بالناس، وقول هذا الرافضي مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود، لأنه لم يرد اللعن في حديث أصلا.
فلما كان يوم الأحد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فدخل أسامة من عسكره والنبي صلى الله عليه وسلم مغمور، فطأطأ رأسه فقبله وهو صلى الله عليه وسلم لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة رضي الله تعالى عنه. قال أسامة: فعرفت أنه صلى الله عليه وسلم يدعو لي، ورجع أسامة رضي الله تعالى عنه إلى عسكره، ثم دخل عليه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين.
فقال له صلى الله عليه وسلم: اغد على بركة الله تعالى، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره وأمر الناس بالرحيل، فبينما هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن رضي الله تعالى عنها قد جاءه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت.
وفي لفظ: فسار حتى بلغ الجرف فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول له: لا تعجل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل، فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس.