للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي وفي لفظ أنه رضي الله تعالى عنه لما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بلواء أسامة حتى أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده.

فلما بويع لأبي بكر رضي الله تعالى عنه بالخلافة أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة وأن يمضي أسامة لما أمر به.

فلما مات صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، أي فإنه لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ظهر النفاق، وقويت نفوس أهل النصرانية واليهودية، وصارت المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، وارتدت طوائف من العرب وقالوا نصلي ولا ندفع الزكاة وعند ذلك كلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه في منع أسامة من السفر: أي قالوا له كيف يتوجه هذا الجيش إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فأبى أي وقال: والله الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرد جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللت لواء عقده. وفي لفظ: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أقول: ذكر بعضهم أن أسامة رضي الله تعالى عنه وقف بالناس عند الخندق وقال لسيدنا عمر: ارجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه أن يأذن لي أن أرجع بالناس، فإن معي وجوه الناس ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون، وقالت له الأنصار رضي الله تعالى عنهم: فإن أبي أبو بكر إلا أن يمضي: أي الجيش فأبلغه منا السلام، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة، فقدم عمر على أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر: والله لو تخطفني الذئاب والكلاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر رضي الله تعالى عنه: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة، فوثب أبو بكر وكان جالسا وأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه، فخرج عمر إلى الناس فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت اليوم بسببكم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، هذا كلامه.

وفيه أن هذا مخالف لما تقدم من صعوده صلى الله عليه وسلم المنبر وإنكاره على من طعن في ولاية أسامة، إذ يبعد عدم بلوغ ذلك للأنصار رضي الله تعالى عنهم، إلا أن يقال:

لعل من قال لسيدنا عمر هذه المقالة جمع من الأنصار لم يكونوا سمعوا ذلك ولا بلغهم، أو جوزوا أن الصديق رضي الله تعالى عنه يوافق على ذلك حيث رأى فيه المصلحة، وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جوّز ذلك حيث لم يتكفل بالرد عليهم بأنه صلى الله عليه وسلم أنكر على من طعن في ولاية أسامة رضي الله تعالى عنه، فليتأمل، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>