للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي رآه منه صلى الله عليه وسلم أنه رأى في المنام أن في يده سوارين من ذهب قال:

فأهمني شأنهما فأوحى الله إلى في المنام: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي: أي وهما طليحة العبسي صاحب صنعاء، ومسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، فإن كلا منهما ادعى النبوة في حياته صلى الله عليه وسلم. وكان طليحة العبسي يقول: إن ملكا كان يقال له ذو النون يأتيني كما يأتي جبريل محمدا، فلما بلغه صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: لقد ذكر ملكا عظيما في السماء يقال له ذو النون. وجمع بعضهم بين هذا الذي في الصحيحين وما هنا بأنه يجوز أن يكون مسيلمة قدم مرتين:

الأولى كان تابعا ومن ثم كان في حفظ الرحال، والثانية كان متبوعا ولم يحضر أنفة منه واستكبارا، وعامله صلى الله عليه وسلم معاملة الإكرام على عادته صلى الله عليه وسلم في الاستئلاف فأتى إلى قومه وهو فيهم كذا قيل.

ولا يخفى أن قوله ولم يحضر يقتضي أنه لم يجىء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين، وتقدم أنه جاء إليه صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب، وهذا: أي ستره بالثياب وهو المناسب لكونه متبوعا ثم صار مسيلمة لعنه الله يتكلم بالهذيان يضاهي به القرآن. فمن ذلك قوله قبحه الله: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمه تسعى من بين شغاف وحشا، وقال: والطاحنات طحنا. والعاجنات عجنا. والخابزات خبزا. والثاردات ثردا. واللاقمات لقما. ووضع عنهم الصلاة، وأحل لهم الخمر والزنا. وقيل إنه لعنه الله طلب منه أن يتفل في بئر تبركا ففعل فملح ماؤها. ومسح رأس صبي فصار أقرع قرعا فاحشا. ودعا لرجل في بنين له بالبركة فيهما، فرجع الرجل إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في بئر والآخر أكلة الذئب. ومسح على عيني رجل للاستشفاء بمسحة فابيضت عيناه، فعل ذلك مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا السياق يرشد إلى أنه كان برأس ذلك الصبي قرع يسير فمسح عليه للاستشفاء، ثم أظهر معجزة بزعمه. وهو أنه أدخل بيضة في قارورة وافتضح بأن البيضة بنت يومها إذا ألقيت في الخل والنوشادر يوما وليلة فإنها تمتد كالخيط. فتعجل في القارورة ويصب عليها ماء فتجمد، وبهذا يردّ على من رثاه من بني حنيفة بقوله:

لهفي عليك أبا ثمامة ... كم آية لك فيهمو

كالشمس تطلع من غمامه

فيقال له: كذبت، بل كانت آياته معكوسة.

قال: وكتب مسيلمة قبحه الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فقال: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد- فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأمر، وليس قريش قوما يعدلون، وبعث رجلين. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب سلام على من

<<  <  ج: ص:  >  >>