وترك أمري ورأيي، وتوعد عمرا، فقال عمرو في قيس أبياتا منها:
فمن ذا عاذري من ذي سفاه ... يريد بنفسه شدّ المزار
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مرادي
أي وبعد موته صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو هذا مع الأسود العبسي، ثم أسلم وحسن إسلامه، وشهد فتوحات كثيرة في أيام الصديق وأيام عمر رضي الله تعالى عنهما.
وعن ابن إسحاق: قيل إن عمرو بن معد يكرب لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم قيس بعد ذلك، قيل له صحبة، وقيل لا.
ومنها وفد كندة، أي وله صلى الله عليه وسلم جدّة منهم، وهي أمّ جدّه كلاب. وفد عليه صلى الله عليه وسلم ثمانون، أي وقيل ستون من كندة فيهم الأشعث بن قيس، وكان وجيها مطاعا في قومه، وفي الإمتاع وهو أصغرهم. فلما أرادوا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم رجلوا: أي سرحوا جممهم. أي شعور رؤوسهم، أي الساقطة على مناكبهم، وتكحلوا، ولبسوا عليهم جبب الحبرة أي بوزن عنبة: برود اليمن المخططة، قد كففوها: أي سجفوها بالحرير. فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي وعند ذلك قالوا: أبيت اللعن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست ملكا أنا محمد بن عبد الله. قالوا: لا نسميك باسمك، قال:
أنا أبو القاسم. فقالوا: يا أبا القاسم إنا خبأنا لك خبئا فما هو؟ وكانوا خبؤوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عين جرادة في ظرف سمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، إنما يفعل ذلك بالكاهن، وإن الكاهن والكهانة والمتكهن في النار، فقالوا: كيف نعلم أنك رسول الله؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فقال: هذا يشهد أني رسول الله، فسبح الحصى في يده، فقالوا: نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني بالحق وأنزل عليّ كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقالوا:
أسمعنا منه، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١)[الصافات: الآية ١] حتى بلغ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [المعارج: الآية ٤٠] ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن بحيث لا يتحرك منه شيء ودموعه تجري على لحيته، فقالوا: إنا نراك تبكي، أفمن مخافة من أرسلك تبكي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن خشيتي منه أبكتني، بعثني على صراط مستقيم في مثل حد السيف، إن زغت عنه هلكت، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء: الآية ٨٦] الآية، ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: ألم تسلموا؟ قالوا بلى، قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم. فعند ذلك شقوه منها وألقوه.
وفيه أن هذا يخالف ما قاله فقهاؤنا معاشر الشافعية من جواز التسجيف بالحرير، إلا أن يقال الجواز مخصوص، بأن لا يجاوز الحد اللائق بالشخص، ولعل سجفهم جاوزت الحد اللائق بهم وقد قال الأشعث له صلى الله عليه وسلم: نحن بنو آكل المرار