للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لم يكن يحل لك في دينك. فقلت: أجل والله وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى، تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب مع حاجتهم، فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك أنما يمنعك من الدخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم، أتعرف الحيرة؟ قلت لم أرها وقد سمعت بها، قال: فو الله، وفي لفظ: فو الذي نفسي بيده ليتمن هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة تطوف بالبيت من غير جوار أحد.

وفي رواية: ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية: أي وهي قرية بينها وبين الكوفة نحو مرحلتين- على بعيرها حتى تزور البيت، أي الكعبة لا تخاف- ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم. قال عدي:

وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تحج بالبيت وايم الله لتكونن الثانية ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه.

ومنها وفود فروة بن مسيك المرادي، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة مفارقا لملوك كندة، وكان بين قومه مراد وبين همدان قبيل الإسلام وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا في يوم يقال الردم، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم. فقال: يا رسول الله من ذا تصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسؤوه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا، واستعمله صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد، وبعث معه خالد بن سعيد العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فروة عند توجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لما رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرجل خان الرجل عرق نسائها

فركبت راحلتي أؤمّ محمدا ... أرجو فواضلها وحسن ثوابها

ومنها وفد بني زبيد بضم الزاي وفتح الموحدة. وفد بنو زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وكان فارس العرب مشهورا بالشجاعة، شاعرا مجيدا، قال لابن أخيه قيس المرادي: إنك سيد قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبيّ فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عليك، وإذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه، فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه. فركب عمرو رضي الله تعالى عنه حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه فأسلم، فلما بلغ ذلك قيسا قال: خالفني

<<  <  ج: ص:  >  >>