للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا كلامه. وقيل بقي إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنهما.

ومنها وفود عدي بن حاتم الطائي. حدث عديّ رضي الله تعالى عنه قال: كنت امرأ شريفا في قومي، آخذ المرباع من الغنائم كما هو عادة سادات العرب في الجاهلية: أي وهو ربع الغنيمة كما تقدم، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته، ما من رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني، فقلت لغلام كان راعيا لإبلي: لا أبا لك اعزل من إبلي أجمالا ذللا سمانا، فاحتسبها قريبا مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذني ففعل، ثم إنه أتاني ذات يوم، فقال يا عديّ ما كنت صانعا إذا غشيك محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها، فقالوا: هذه جيوش محمد. فقلت له قرب لي أجمالي، فقرّبها فاحتملت أهلي وولدي، والتحقت بأهل ديني من النصارى بالشام، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر، فأصيبت فيمن أصيب: أي سبيت فيمن أصيب من الحاضر، فلما قدمت في السبايا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام منّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساها، وحملها، وأعطاها نفقة، وخرجت إلى أن قدمت عليّ الشام، فو الله إني لقاعد في أهلي، إذ نظرت إلى ظغينة تؤمنا، فقلت: ابنة حاتم، فإذا هي هي. فلما وقعت عليّ قالت: القاطع الظالم، احتملت بأهلك وولدك، وقطعت بقية والديك وعورتك، فقلت: أي أخية، لا تقولي إلا خيرا فو الله ما لي من عذر، ولقد صنعت ما ذكرت، ثم نزلت وأقامت عندي. فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا، فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فأنت أنت. فقلت والله إن هذا للرأي، أي ولعلها لم تظهر له إسلامها لئلا ينفر طبعه من قولها له إن يكن نبيا أي على الفرض والتنزل تحريضا له على اللحوق به صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى جئته صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدخلت عليه. فقال: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته، فو الله إنه لقائدني إليه إذ لقيته امرأة كبيرة ضعيفة فاستوقفته صلى الله عليه وسلم فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها. فقلت ما هو بملك، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة بيده من أدم محشوة ليفا فقدمها إليّ وقال: اجلس على هذه. فقلت بل أنت فاجلس عليها، قال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض.

فقلت والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال لي ما معناه: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم قالها ثلاثا. فقلت: إني على دين، قال: أنا أعلم بدينك منك، فقلت أنت أعلم بديني؟

قال نعم ألست من الركوسية: ألست من القوم الذين لهم دين؟ لأنه تقدم أنه كان نصرانيا. فقلت بلى، فقال: ألم تكن تسير في قومك بالمرباع، أي تأخذ ربع الغنيمة كما هو شأن الأشراف من أخذهم في الجاهلية ربع الغنيمة؟ قلت بلى. قال: فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>