إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه، فأرسل إليهم بلالا فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بقي منكم أحد؟ قالوا: غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنا، قال: فأرسلوه إلينا، فأرسلوه فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله أنا من الرهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم، فاقض حاجتي؟ قال: تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، ويجعل غناي في قلبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه، ثم أمر له صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه.
ثم إنهم بعد ذلك وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في الموسم إلا ذلك الغلام، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟ قالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثله قط، ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله، لولا أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا، فقال رجل منهم، أو ليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا، فلعل الأجل يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك.
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام ذلك الغلام في قومه فذكرهم الله والإسلام، فلم يرجع منهم أحد، وجعل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يذكر ذلك الغلام ويسأل عنه، ولما بلغه ما قام به كتب إلى زياد بن الوليد أي وكان واليا على حضرموت يوصيه به خيرا.
ومنها وفد بني ثعلبة. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الجعرانة أربعة نفر من بني ثعلبة: أي مقرين بالإسلام، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء. قال بعضهم: فرمى ببصره إلينا فأسرعنا إليه وبلال يقيم الصلاة، فسلمنا عليه وقلنا يا رسول الله إنا رسل من خلفنا من قومنا، ونحن مقرون بالإسلام وقد قيل لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا إسلام لمن لا هجرة له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم، أي ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الظهر ثم انصرف إلى بيته فلم يلبث أن خرج إلينا فدعا بنا، فقال: كيف بلادكم؟ فقلنا مخصبون، فقال:
الحمد لله، فأقمنا أياما وضيافته صلى الله عليه وسلم تجري علينا، ثم لما جاؤوا يودعونه صلى الله عليه وسلم قال لبلال أجزهم، فأعط كل واحد منهم خمس أواق فضة أي والأوقية أربعون درهما.
ومنها وفد بني سعد هذيم من قضاعة. عن النعمان رضي الله تعالى عنه قال:
قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا في نفر من قومي وقد أوطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاد:
أي جعلها موطأة قهرا وغلبة، وأزاح العرب: أي استولى عليها والناس صنفان إما داخل في الإسلام راغب فيه، وإما خائف السيف، فنزلنا ناحية من المدينة، ثم