خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه، فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على جنازة في المسجد، أي وهو سهيل ابن البيضاء، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مسجده على جنازة إلا عليه رضي الله تعالى عنه. وما وقع له في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه على سهيل وأخيه نظر فيه مع أن فقهاءنا ذكروه وأقروه، فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم. وقلنا حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايعه.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلينا، فدعا بنا فقال: ممن أنتم؟ فقلنا:
من بني سعد هذيم، فقال: أمسلمون أنتم؟ قلنا: نعم، فقال: هلا صليتم على أخيكم؟ قلنا: يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أسلمتم فأنتم مسلمون قال: فأسلمنا وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدينا على الإسلام، ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلفنا عليها أصغرنا، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا، فأتى بنا إليه، فتقدم صاحبنا فبايعه صلى الله عليه وسلم على الإسلام. فقلنا: يا رسول الله إنه أصغرنا، وأنه خادمنا فقال صلى الله عليه وسلم «سيد القوم خادمهم، بارك الله عليه» قال النعمان رضي الله تعالى عنه: فكان والله خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فكان يؤمنا فلما أردنا الانصراف أمر صلى الله عليه وسلم بلالا فأجازنا بأواق من فضة، لكل رجل منا، فرجعنا إلى قومنا.
ومنها وفد بني فزارة. وفد عليه صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا من بني فزارة فيهم خارجة بن حصن أخو عيينة بن حصن وابن أخيه الجد بن قيس بن حصن وهو أصغرهم مقرين بالإسلام وهم مسنتون: أي توالى عليهم الجدب على ركائب عجاف: أي هزال، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم؟ فقال رجل منهم: أي وهو خارجة: أسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابنا: أي ما حولنا وغرثت أي جاعت عيالنا فادع لنا ربك يغيثنا، واشفع لنا إلى ربك، وليشفع لنا ربك إليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«سبحان الله ويلك يا هذا أنا أشفع إلى ربي عز وجل، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه! لا إله إلا هو العلي العظيم، وسع كرسيه: أي علمه، كذا قيل. وقيل موضع قدميه السموات والأرض: أي أحاط بالسموات والأرض، وهو دون العرش كما جاءت الآثار، فهي تئط: أي تصوت من عظمته وجلاله كما يئط الرحل بالحاء المهملة» الحديث: أي من ثقل الحمل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله ليضحك من شغفكم وأزلكم: أي شدة ضيقكم وجدبكم، وقرب غياثكم، فقال الأعرابي: لن نعدم من رب يضحك خيرا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، وصعد صلى الله عليه وسلم المنبر فتكلم بكلمات، وكان لا يرفع يديه: أي الرفع البالغ في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رئي بياض إبطيه. أي وفي النور: وقد جوزت وجها وهو أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه