للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة» قال ذلك جوابا لقول بلغه عن جمع من الصحابة، ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر. وفي لفظ: وفرجه يقطر منيا، أي قد جامع النساء. أي وفيه أنهم لا ينطلقون إلى منى إلا بعد الإحرام بالحج، لأنهم يحرمون من مكة إلا أن يقال مرادهم أنا كيف نجامع النساء بعد إحرامنا بالحج وكيف نجعلها عمرة بعد الإحرام بالحج كما سيأتي في بعض الروايات.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار، فقال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون؟» .

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت الخ» تأسف على فوات أمر من أمور الدين ومصالح الشرع، كذا قال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه، لأنه يرى أن التمتع أفضل. وردّ بأنه لم يتأسف على التمتع لكونه أفضل، وإنما تأسف عليه لكونه أشق على أصحابه في بقائه محرما على إحرامه وأمره لهم بالإحلال. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:

«لو تفتح عمل الشيطان» محمول على التأسف على فوات حظ من حظوظ الدنيا فلا تخالف.

ويروى «أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه تلك المقالة قام خطيبا فحمد الله تعالى، فقال: أما بعد، فتعلمون أيها الناس لأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هديا ولا حللت» وفي رواية: «قالوا: كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اقبلوا ما أمرتكم به، واجعلوا إهلالكم بالحج عمرة، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ففعلوا وأهلوا، ففسحوا الحج إلى العمرة» وكان من جملة من ساق الهدي أبو بكر وعمر وطلحة والزبير وعلى رضي الله تعالى عنهم، فإن عليا كرم الله وجهه قدم إلى مكة من اليمن ومعه هدي. وعن جابر رضي الله تعالى عنه: «لم يكن أحد معه هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة» وفي رواية: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله وجهه: انطلق وطف بالبيت وحل كما أحل أصحابك، فقال: يا رسول الله أهللت كما أهللت، فقال له: ارجع فأحل كما أحل أصحابك، قال: يا رسول الله إني قلت حين أحرمت: اللهم إن أهل بما أهل به نبيك وعبدك ورسولك محمد، فقال: هل معك من هدي؟ قال لا، فأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه وثبت على إحرامه، وهذا صريح في أن إحرامه صلى الله عليه وسلم كان بالحج.

ويمكن الجمع بين رواية أن عليا قدم من اليمن ومعه هدي، وبين رواية أنه لم يكن معه هدي بأن الهدي تأخر مجيئه بعده، لأنه تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على الجيش رجلا من أصحابه.

ويؤيد ذلك قول بعضهم: كان الهدي الذي قدم به علي كرم الله وجهه من

<<  <  ج: ص:  >  >>