للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنه، وكان على ثقله ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بذلك. فعن أبي رافع رضي الله عنه: «لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل بالأبطح، ولكني جئت فضربت قبة، فجاء فنزل، وكان صلى الله عليه وسلم قال لأسامة رضي الله عنه: غدا ننزل بالمحصب إن شاء الله» وهو المحل الذي تحالف فيه قريش وكنانه على منابذه بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، أي وكان ذلك سببا لكتابة الصحيفة.

وفيه أنه تقدم في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم نزل بالحجون عند شعب أبي طالب المكان الذي حصرت فيه بنو هاشم وبنو المطلب وأنه خيف بني كنانة الذي تقاسمت قريش فيه جملتهم.

وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر» .

ولما نزل صلى الله عليه وسلم بالمحصب صلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة، ثم إن عائشة رضي الله عنها قالت له: يا رسول الله أأرجع بحجة ليس معها عمرة، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال: اخرج بأختك من الحرم، ثم افرغا من طوافكما حتى تأتياني ههنا بالمحصب، قالت: فقضى الله العمرة، وفي لفظ: «فاعتمرنا من التنعيم مكان عمرتي التي فاتتني، وفرغنا من طوافها في جوف الليل، فأتيناه صلى الله عليه وسلم بالمحصب فقال: فرغتما من طوافكما، قلنا نعم، فأذن في الناس بالرحيل» وفي رواية: «فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة إليها، أو أنا مصعدة وهو منهبط منها» .

واعترض كيف يأتي قولها عمرتي التي فاتتني مع قوله صلى الله عليه وسلم: «قد حللت من حجتك وعمرتك» وكيف أقرأها صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وأجيب بأنها لما رأت صواحبها أتين بعمرة ثم بحج وهي لم تأت إلا بحج أحبت أن تأتي بعمرة أخرى زائدة على الحج وإن كانت العمرة مندرجة فيه، وأقرها صلى الله عليه وسلم تطييبا لخاطرها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان معها إذا هويت الشيء الذي لا مخالفة فيه للشرع تابعها عليه. وبهذا استدل أئمتنا على جواز الإحرام بالعمرة قبل طواف الوداع.

وأمر صلى الله عليه وسلم الناس أن لا ينصرفوا: أي إلى بلادهم حتى يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت: أي الذي هو طواف الوداع.

ورخص صلى الله عليه وسلم في ترك المؤمنين ذلك للحائض التي قد طافت طواف الإفاضة قبل حيضها كصفية أم المؤمنين رضي الله عنها، فإنها حاضت بعد طواف الإفاضة ليلة النفر من منى. أي وقالت: ما أراني إلا حابستكم لانتظار طهري وطواف الوداع، فقال لها صلى الله عليه وسلم: أو ما كنت طفت يوم النحر؟ أو في لفظ: «ما كنت طفت طواف

<<  <  ج: ص:  >  >>