ومن صفاياه صلى الله عليه وسلم صفية وذو الفقار كما تقدم، وأن يتزوج من غير مهر كما وقع لصفية رضي الله تعالى عنها. وقد قال المحققون: معنى ما في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها أنه صلى الله عليه وسلم أعتقها بلا عوض وتزوّجها بلا مهر، فقول أنس رضي الله تعالى عنه أمهرها نفسها معناه أنه لما لم يصدقها شيئا كان العتق كأنه المهر وإن لم يكن في الحقيقة كذلك، وأن يدخل مكة بغير إحرام اتفاقا، وأن يقضي بعلمه ولو في حدود الله تعالى.
قال القرطبي في تفسيره: أجمع العلماء على أنه ليس لأحد أن يقضي بعلمه إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى: وجمع له صلى الله عليه وسلم بين الحكم بالظاهر والباطن معا وجمعت له الشريعة والحقيقة، ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه هذا كلامه.
وكتب عليه الشهاب القسطلاني رحمه الله: هذه غفلة كبيرة وجراءة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إذ يلزم منه خلو بعض أهل العزم عليهم الصلاة والسلام من علم الحقيقة الذي لا يجوز خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر بل بقية بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن علم الشريعة. وأعجب من ذلك أنه بين له وجه الخطأ، فأجاب بقوله: مرادي الجمع بين الحكم والقضاء هذا كلامه.
وأقول: ذكر السيوطي في كتابه «الباهر في حكم النبي بالباطن والظاهر» هل يقول مسلم إن الذي خص به نبينا صلى الله عليه وسلم، أي عن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يورث نقصا في حق سائر الأنبياء؟ معاذ الله، وكل مسلم يعتقد أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء على الإطلاق، وذلك لا يورث نقصا في حق أحد منهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وهذا الاعتراض كان لا يحتاج إلى جواب عنه، لكن خشيت أن يسمعه جاهل فيؤديه ذلك إلى إنكار خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي فضل بها على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، توهما منه أن ذلك يورث نقصا فيهم، فيقع والعياذ بالله في الكفر والزندقة هذا كلامه.
ومما حكم فيه بالظاهر والباطن معا، قوله صلى الله عليه وسلم في ولد وليدة زمعة والد سودة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها لما اختصم فيه سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وعبد بن زمعة، فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي، عهد إلى أنه ابنه، انظر إلى شبهه به، وقال عبد بن زمعة، هذا أخي ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر