للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبها بينا بعتبة، ثم قال: «هو لك يا عبد الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة» زاد في رواية: «فليس بأخ لك» فقد جعله صلى الله عليه وسلم أخا لسودة عملا بظاهر الشرع، ونفى أخوته عنها بمقتضى الباطن. فقد حكم في هذه القصة بالظاهر والباطن معا.

وأما حكمه صلى الله عليه وسلم بالباطن فقد جاء في أمور متكثرة.

من ذلك قتله الحارث بن سويد بقتله المجذر بن زياد غيلة من غير دعوى وارث ولا قيام بينة ولا قبل الدية كما تقدم.

ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل مات أخوه: «إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه، فقال يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة، قال أعطها فإنها محقة» .

ومن ذلك أن امرأة جاءت إلى أخرى وقالت لها: فلانة تستعيرك حليك وهي كاذبة فأعارتها إياه، فبعد مدة جاءت للمرأة تطلب حليها فقالت: لم أطلب حليك فجاءت للمرأة التي أخذته فأنكرت أخذه، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته القصة فدعاها، فقالت: والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فخذوه من تحت فراشها فأخذ وأمر بها فقطعت» .

وأن يقضي لنفسه ولولده، وأن يشهد لنفسه ولولده وأن يقبل الهدية ممن يريد الحكومة عنده، وأن يقضي في حال غضبه، وأن يقطع الأرض قبل أن يفتحها.

ومما شاركه فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في هذا القسم أن له صلى الله عليه وسلم أن يصلي بعد نومه غير متمكن، أي في النوم الذي تنام فيه عينه وقلبه، بناء على أنه صلى الله عليه وسلم كان له نومان، وحينئذ يكون قوله: «نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا» والمراد به غالبا، إذ يبعد أن يكون بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليس لهم إلا نوم واحد وله صلى الله عليه وسلم نومان.

وإباحة ترك إخراج زكاة المال، لأنه كبقية الأنبياء لا ملك لهم مع الله، وما في أيديهم من المال وديعة لله عندهم يبذلونه في محله ويمنعونه في غير محله، ولأن الزكاة طهرة وهم مبرؤون من الدنس كذا في الخصائص الصغرى نقلا عن سيدي الشيخ تاج الدين بن عطاء الله.

وفيها بعد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم اختص بأن ماله باق بعد موته على ملكه ينفق منه على أهله في أحد الوجهين، وصححه إمام الحرمين، والذي صححه النووي الوجه الآخر، وهو خروجه عن ملكه، لكنه صدقة على المسلمين، لا يختص به الورثة، وما قاله ابن عطاء الله بناء مذهب إمامه سيدنا مالك، ومذهب الشافعي رحمه الله

<<  <  ج: ص:  >  >>