فقال لها: اكتمي عليّ قد حرمت مارية على نفسي، فأخبرت بذلك عائشة وكانتا متصادقتين بينهما المصافاة كما تقدم، فطلقها وأنزل الله تعالى عند تحريم مارية قوله:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [التحريم: الآية ١] إلى قوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [التحريم: الآية ٢] أي أوجب عليكم كفارة ككفارة أيمانكم، لأن الكفارة تحل ما عقدته اليمين لأن هذا ليس من الأيمان: أي واطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أن حفصة قد نبأت عائشة بما أسرّه إليها من أمر مارية وأمر الخلافة، فلما أخبر صلى الله عليه وسلم عائشة ببعض ما أسرته لها وهو أمر مارية وأعرض عما أسره إليها من أمر الخلافة أن ينتشر ذلك في الناس، قالت عائشة: من أنبأك هذا؟ قال:«نبأني العليم الخبير» ، ومن ثم كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: والله إن خلافة أبي بكر وعمر لفي كتاب الله ثم يقرأ هذه الآية.
ولما أفشت حفصة رضي الله عنها سره صلى الله عليه وسلم طلقها كما تقدم، فجاءه جبريل عليه السلام يأمره بمراجعتها، لأنها صوامة قوامة، وإنها إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وفي رواية، تأتي: راجعها رحمة لعمر. وقيل همّ صلى الله عليه وسلم بتطليقها ولم يفعل، فقد جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلقها، فقال له جبريل عليه السلام: إنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة. وعليه فيراد بالمراجعة المصالحة والرضا عنها كما سيأتي. قال في الينبوع: وهذا هو المشهور، فسيأتي ما يدل على صحته: أي والذي سيأتي قول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه: يا رسول الله أطلقتهن؟ قال لا.
وفيه أن هذا كان عند طلبهن منه صلى الله عليه وسلم النفقة، وهذه الواقعة غير تلك، وقيل في سبب نزول الآية غير ذلك.
وفي البخاري في سبب نزول الآية عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها، فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها، فلتقل له صلى الله عليه وسلم أكلت مغافير: أي أجد منك ريح مغافير، فدخل على حفصة رضي الله عنها، فقالت له ذلك، فقال لها: لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا» أي لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يظهر منه ريح كريهة، لأن المغافير صمغ العوسج من شجر الثمام كريه الريح.
وعن عمر رضي الله عنه أن امرأته راجعته في شيء فأنكر عليها مراجعتها، فقالت له: عجبا لك يا بن الخطاب: ما تريد أن تراجع، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، فقام عمر رضي الله عنه، فدخل على حفصة رضي الله عنها فقال لها: يا بنية إنك لتراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، فقالت