وكان رضي الله عنه إذا دخل المدينة طرفة اشتراها في ذمته، ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله هذه هدية، فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنها جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أعط هذا ثمن ما جئت به إليك، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو لم تهد ذلك لي؟ فيقول: يا رسول الله لم يكن عندي ثمنه، وأحببت أن يكون لك، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه.
وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر ضحوك السن: أي أكثر أحواله ذلك حسما رآه هذا المخبر، فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان متواصل الأحزان، دائم الفكرة ليست له راحة، فإنه بحسب ما كان عند ذلك المخبر.
وفي كلام ابن القيم رحمه الله: قد صانه الله عن الحزن في الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن، بل كان دائم البشر ضحوك السن، كذا قال.
وفي كلام الإمام أبي العباس بن تيمية رحمه الله: ليس المراد الحزن الذي هو الألم على فوات مطلوب أو حصول مكروه، فإن ذلك منهي عنه، وإنما المراد به الاهتمام واليقظة لما يستقبله من الأمور، وهذا مشترك بين القلب والعين.
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت: خلقه القرآن: أي ما ذكره القرآن: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)[القلم: الآية ٤] وإنه تأدب بآدابه وتخلق بمحاسنه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم:«بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال» .
قال: وذكر في عوارف المعارف أن في قول عائشة رضي الله عنها خلقه القرآن سرا غامضا، حيث عدلت إلى ذلك عن قولها كان متخلقا بأخلاق الله سترا للحال بلطف المقال استحياء من سبحات ذي الجلال اه، أي فكان صلى الله عليه وسلم متصفا بما فيه من الاجتهاد في طاعة الله والخضوع له، والانقياد لأمره والشدة على أعدائه، والتواضع لأوليائه، ومواساة عباده وإرادة الخير لهم، والحرص على كمالهم، والاحتمال لأذاهم، والقيام بمصالحهم وإرشادهم إلى ما يجمع لهم خيري الدنيا والآخرة مع التعفف عن أموالهم إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة التي اتصف بها صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم.
وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس خشية وخوفا من الله، أي ومن ثم كان صلى الله عليه وسلم يقول:«أنا أتقاكم صلى الله عليه وسلم، وأخوفكم منه» .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فدخل معي في لحافي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي، فقام صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم قام فصلى فبكى حتى سال