وفي رواية عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء في مرضه فاجتمعن، فقال:
إني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذنّ لي فأكون في بيت عائشة فعلتن:
فأذنّ له قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين رجلين من أهله معتمدا عليهما الفضل بن العباس ورجل آخر، وفي رواية بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، وفي رواية بين أسامة ورجل آخر عاصبا رأسه الشريف تخط قدماه الأرض حتى دخل بيتي، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الرجل الذي لم تمسه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أي فإنه كان بينها وبين عليّ ما يقع بين الأحماء، وقد صرحت بذلك لما أرادت أن تتوجه من البصرة بعد انقضاء وقعة الجمل وخرج الناس ومن جملتهم علي كرم الله وجهه لتوديعها، حيث قالت: والله ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها فقال عليّ: أيها الناس صدقت والله وبرت، ما كان بيننا وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، وقد تقدم ذلك.
ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه، فقال: هريقوا عليّ من سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم، فأقعدناه صلى الله عليه وسلم في مخضب إناء من حجر ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول: حسبكم حسبكم، وفي لفظ: حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن: أي وصب المياه المذكورة له دخل في دفع السم. أي فإنه صلى الله عليه وسلم صار يقول لعائشة: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أسممته بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه الشريف حتى جلس على المنبر، ثم كان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد، أي دعا لهم فأكثر الصلاة عليهم واستغفر لهم. ثم قال: إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده؟ فاختار ذلك العبد ما عند الله، ففهمها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وعرف أن نفسه يريد. أي فبكى أبو بكر فقال: نفديك بأنفسنا وأبنائنا. فقال:«على رسلك يا أبا بكر» . أي وفي رواية قال:«يا أبا بكر لا تبك، أيها الناس إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر» وهذا حديث صحيح جاء عن بضعة عشر صحابيا، ولكثرة طرقه عدّ من المتواتر.
وفي أخرى:«إن أعظم الناس عليّ منا في صحبته وذات يده أبو بكر» وفي أخرى: «فإني لا أعلم امرأ أفضل عندي يدا في الصحابة من أبي بكر» .
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة» أي وفي الحديث «حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم، فإن رأيت شرا استغفرت لكم» أي وهذا بيان للثاني لاستغناء الأول عن البيان، ومعلوم أن خيرا وشرا هنا ليسا أفعل تفضيل الذي يوصل بمن حتى يلزم التناقض، بل المراد أن ذلك فضيلة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: انظروا هذه الأبواب