إليّ وهو فرح متبسم، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، نزلت من عندي وأنت باك حزين مغتم فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت إليّ وأنت فرح متبسم فمم ذاك؟ قال ذهبت لقبر أمي فسألت ربي أن يحييها، فأحياها فآمنت وردها الله تعالى» .
وهذا الحديث قد حكم بضعفه جماعة، منهم الحافظ أبو الفضل بن ناصر الدين، والجوزقاني وابن الجوزي، والذهبي في الميزان، وأقره على ذلك الحافظ ابن حجر في لسان الميزان جعله ابن شاهين ومن تبعه ناسخا لأحاديث النهي عن الاستغفار: أي لها.
منها ما جاء «أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة» أي ولعله في عمرة القضاء، لأنه لم يقدم مكة نهارا «مع أصحابه قبل حجة الوداع إلا في ذلك أتى رسم قبر أمه فجلس إليه فناجاه طويلا ثم بكى، قال ابن مسعود فبكينا لبكائه صلى الله عليه وسلم، ثم قام ثم دعانا، فقال: ما أبكاكم؟ قلنا بكينا لبكائك، فقال: إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة» الحديث.
وفي رواية «أتى قبر أمه فجلس إليه، فجعل يخاطبه، ثم قام مستعبرا، فقال بعض الصحابة: يا رسول الله قد رأينا ما صنعت، قال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي» وفي رواية «إن جبريل عليه الصلاة والسلام ضرب في صدره صلى الله عليه وسلم وقال: لا تستغفر لمن مات مشركا، فما رئي باكيا أكثر منه يومئذ» وفي رواية «استأذنته في الدعاء لها: أي بالاستغفار، فلم يأذن لي وأنزل علي ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى [التّوبة: الآية ١١٣] فأخذني ما يأخذ الولد للوالد» قال القاضي عياض: بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ما فاتها من إدراك أيامه والإيمان به أي النافع إجماعا، وكونه ناسخا لذلك غير جيد، لأن أحاديث النهي عن الاستغفار بعض طرقها صحيح رواه مسلم وابن حبان في صحيحيهما. ونص مسلم «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة» وفي لفظ «تذكركم الموت» وهذا الحديث: أي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها على تسليم ضعفه أي دون وضعه لا يكون ناسخا للأحاديث الصحيحة.
أقول: ذكر الواحدي في أسباب النزول أن آيتي ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [التّوبة: الآية ١١٣]- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ [التّوبة: الآية ١١٤] نزلتا لما استغفر صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بعد موته فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذي قرابتنا؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه، وقد استغفر إبراهيم لأبيه: أي فنزولهما كان عقب موت أبي طالب.
لا يقال جاز أن تكون آية ما كانَ لِلنَّبِيِّ [التّوبة: الآية ١١٣] تكرر نزولها لما استغفر صلى الله عليه وسلم لعمه ولما استغفر لأمه، لأنا نقول كونه يعود للاستغفار بعد أن نهى عنه فيه ما