للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك الشخص وقد بلغته دعوته.

وعلى هذا فمن لم يدرك زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ولا زمن من قبله من الرسل معذب على الاشراك بالله بعبادة الأصنام لأنه على فرض أن لا تبلغه دعوة أحد من الرسل السابقين إلى الإيمان بالله وتوحيده، لكنه كان متمكنا من علم ذلك فهو تعذيب بعد بعث الرسل لا قبله.

وحينئذ لا يشكل ما أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بعث الله نبيا إلى قوم ثم قبضه إلا جعل بعده فترة يملأ من تلك الفترة جهنم» ولعل المراد المبالغة في الكثرة، وإلا فقد أخرج الشيخان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول (هل من مزيد) حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيرتد بعضها إلى بعض وتقول قط قط» أي حسبي بعزتك وكرمك، وأما بالنسبة لغير الإيمان والتوحيد من الفروع فلا تعذيب على تلك الفروع، لعدم بعثة رسول إليهم فأهل الفترة وإن كانوا مقرين بالله إلا أنهم أشركوا بعبادة الأصنام.

فقد حكى الله تعالى عنهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزّمر: الآية ٣] وقد جاء النهي عن ذلك على ألسنة الرسل السابقين.

ووجه التفرقة بين الإيمان والتوحيد وغير ذلك: أن الشرائع بالنسبة للإيمان بالله وتوحيده كالشريعة الواحدة لاتفاق جميع الشرائع عليه.

قيل وهو المراد من قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشّورى:

الآية ١٣] فقد قال بعضهم: المراد من الآية استواء الشرائع كلها في أصل التوحيد: أي ومن ثم قال في تمام الآية وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران: الآية ١٠٣] فيه وقال: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: الآية ٥٩] وقال وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: الآية ٧٣] ومن ثم قاتل بعض الأنبياء غير قومه على الشرك بعبادة الأصنام، ولو لم يكن الإيمان والتوحيد لازما لهم لم يقاتلهم، بخلاف غيره من الفروع فإن الشرائع فيها مختلفة.

قال بعضهم: سبب اختلاف الشرائع اختلاف الأمم في الاستعداد والقابلية.

والدليل على أن الأنبياء متفقون على الإيمان والتوحيد ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء أولاد علات» أي أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع شرائعهم، لأن العلات الضرائر، فأولادهم إخوة من الأب وأماتهم مختلفة. وقد جاء هذا التفسير في نفس الحديث. ففي بعض الروايات «الأنبياء إخوة من علات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد» وبه يعلم ما في كلام العلامة ابن حجر الهيتمي حيث ذكر أن الحق الواضح الذي لا غبار عليه أن أهل الفترة جميعهم ناجون، وهم من لم يرسل لهم رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>