قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والعذر له في ذلك أنه رضي الله عنه تأوّل أن للأنصار في الخلافة استحقاقا فبنى على ذلك، وهو معذور، وإن لم يكن ما اعتقده من ذلك حقا هذا كلامه.
ولا ينافيه ما جاء عن عمر رضي الله عنه: وثبنا على سعد بن عبادة. فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة: أي فعلتم معه من الإعراض والإذلال ما يقتله، فقلت:
قتل الله سعد بن عبادة، فإنه صاحب فتنة، نعم ينافيه ما حكاه ابن عبد البر أن سعد بن عبادة رضي الله عنه أبى أن يبايع أبا بكر حتى لقي الله.
قال بعضهم: ويضعفه ما جاء في بعض الروايات أن أبا بكر رضي الله عنه لما قال لسعد: لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: «قريش ولاة هذا الأمر» ، قال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء، وبه يظهر التوقف فيما تقدم عن ابن حجر رحمه الله هذا.
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله: فأنكروا على سعد أمره، وكادوا يطؤون سعدا فقال ناس من أصحابه: اتقوا سعدا لا تطؤوه، فقال عمر رضي الله عنه: اقتلوا سعدا قتله الله، ثم قام عمر رضي الله عنه على رأس سعد وقال: قد هممت أن أطأك حتى تنذر عيونك، فأخذ قيس بن سعد رضي الله عنهما بلحية عمر رضي الله عنه وقال: والله لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارحة، فقال أبو بكر: مهلا يا عمر، الرفق الرفق، ما هنا أبلغ، فقال عاد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى محلهما أرسلا له بايع فقد بايع الناس، فقال: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل، وأخضب من دمائكم سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يداي.
والله لو اجتمع لكم الجن والإنس لما بايعتكم. فلما عاد الرسول وأخبرهم بما قال، قال له عمر: لا ندعه حتى يبايع، فقال له قيس بن سعد: دعه فقد لح فاتركوه، فتركوه، وكان سعد رضي الله عنه لا يحضر معهم، ولا يصلي في المسجد، ولا يسلم على من لقي منهم، فلم يزل مجانبا لهم حتى إذا كان بعرفة يقف ناحية عنهم، فلما ولي عمر رضي الله عنه الخلافة لقيه في بعض طرق المدينة، فقال له: إيه يا سعد فقال له: إيه يا عمر، فقال له عمر: أنت صاحب المقالة، قال نعم أنا ذاك، وقد أفضى الله إليك هذا الأمر، كان والله صاحبك خيرا لنا، وأحب إلينا من جوارك، وقد أصبحت كارها لجوارك، فقال له عمر رضي الله عنه: إنه من كره جوار جاره تحول عنه، فقال له سعد: إني متحول إلى جوار من هو خير من جوارك، فخرج رضي الله عنه إلى الشام واستمر بها إلى أن مات في السنة الخامسة عشر من الهجرة.
وذكر الطبري رحمه أن سعدا رضي الله عنه بايع مكرها، وهو وهم، هذا كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله.