قال عمر رضي الله عنه: وإنما بايعت أبا بكر خشية إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن بيايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد، وذلك كان في يوم موته صلى الله عليه وسلم الذي هو يوم الاثنين، فلما كان الغد كانت البيعة العامة صعد أبو بكر رضي الله عنه المنبر، وقام عمر رضي الله عنه بين يدي أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر رضي الله عنه بيعة عامة بعد بيعة السقيفة. ثم تكلم أبو بكر رضي الله عنه فقال في خطبته، بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويّ حتى أردّ عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا أشيعت الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذ عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، فقوموا إلى صلاتكم رحمكم الله.
وشن الغارة بعض الرافضة على قول الصديق رضي الله عنه فقوموني، بأنه كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية تحتاج إليه. وردّ بأن هذا من أكبر الدلائل على فضله، لقوله الآخر: أطيعوني ما أطعت الله، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، لأن كل أحد ما عدا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تجوز عليه المعصية.
ولما بويع بالخلافة أصبح رضي الله تعالى عنه على ساعده قماش وهو ذاهب به إلى السوق، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: السوق، قال: تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين، قال: فمن أين أطعم عيالي، فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقا إليه، فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجري ليس بأفضلهم: أي في سعة النفقة ولا بأوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف، وإذا أبليت شيئا رددته وأخذت غيره، ففرض له كل يوم نصف شاة. وفي رواية: جعل له ألفين فقال: زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلت عن السفارة فزادوه خمسمائة.
وهو رضي الله تعالى عنه أول من جمع القرآن وسماه مصحفا، واتخذ بيت المال، وسها من جعل ذلك من أوّليات عمر رضي الله تعالى عنه.
ولما تخلف عليّ والزبير ومن معهما كالعباس وطلحة بن عبيد الله والمقداد وجمع من بني هاشم في بيت فاطمة كما تقدم عن المبايعة، استمروا على ذلك مدة لأنهم رضي الله عنهم وجدوا في أنفسهم حيث لم يكونوا في المشورة: أي في