قال: وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: دعوا ابني يجلس، فإنه يحس من نفسه بشيء: أي بشرف، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه به عربي قبله ولا بعده. وفي رواية: دعوا ابني إنه ليؤنس ملكا: أي يعلم من نفسه أن له ملكا. وفي لفظ: ردوا ابني إلى مجلسي، فإنه تحدثه نفسه بملك عظيم وسيكون له شأن.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت، أبي يقول: كان لعبد المطلب مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، وكان حرب بن أمية فمن دونه من عظماء قريش يجلسون حوله دون المفرش، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وهو غلام لم يبلغ الحلم فجلس على المفرش، فجذبه رجل فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد المطلب وذلك بعد ما كف بصره ما لابني يبكي، قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه، فقال عبد المطلب: دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحس من نفسه بشرف: أي يتيقن في نفسه شرفا، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده: أي فكانوا بعد ذلك لا يردونه عنه حضر عبد المطلب أو غاب: أي ولعل هذا كان في آخر الأمر، فلا ينافي ما تقدم الدّال ظاهرا على تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم، من اختلاف قول عبد المطلب، وإلا فيحتمل أن اختلاف قول عبد المطلب جاء من اختلاف الرواة.
وقال لعبد المطلب قوم من بني مدلج: أي وهم القافة العارفون بالآثار والعلامات: احتفظ به، فإنا لم نر قط ما أشبه بالقدم التي في المقام منه: أي وهي قدم إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
أقول: أي فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أثرت قدماه في المقام: وهو الحجر الذي كان يقوم عليه عند بناء البيت كما سيأتي، وهو الذي يزار الآن بالمكان الذي يقال له مقام إبراهيم: أي وقد أشار إلى ذلك عمه أبو طالب في قصيدته بقوله مقسما:
وبالحجر المسود إذ يلثمونه ... إذا اكتنفوه في الضحى والأصائل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة ... على قدميه حافيا غير ناعل
قال الحافظ ابن كثير: يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه: رأيت في المقام أثر أصابع إبراهيم وعقبيه وأخمص قدميه غير أن مسح الناس بأيديهم أذهب ذلك: أي ومشابهة قدمه صلى الله عليه وسلم لقدم سيدنا إبراهيم تدل على أن تلك الأقدام بعضها من بعض كما تقدم في قول مجزز المدلجي في زيد بن أسامة رضي الله عنهما وقد ناما وغطيا رؤوسهما وبدت