سيرة ابن هشام عن ابن إسحق أن عبد المطلب لما حضرته الوفاة وعرف أنه ميت جمع بناته وكن ست نسوة: صفية، وهي أم الزبير بن العوام وبرة وعاتكة، وأم حكيم البيضاء: أي وهي جدة عثمان بن عفان لأمه، وأميمة وأروى، فقال لهن: ابكين عليّ حتى أسمع ما تقلن فيّ قبل أن أموت، فقالت كل واحدة منهن شعرا في وصفه مذكور في تلك السيرة، ولما سمع جميع ذلك أشار برأسه أن هكذا فابكينني. ويقال إنه إنما أشار بذلك لما سمع قول أميمة وقد أمسك لسانه وكان من قولها:
أعينيّ جودا بدمع درر ... على ماجد الخيم والمعتصر
على ماجد الجد واري الزناد ... جميل المحيا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرمات ... وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الحلم والفضل في النائبات ... كثير المفاخر جمّ الفخر
له فضل مجد على قومه ... متين يلوح كضوء القمر
قال ابن هشام رحمه الله: لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر إلا أنه: أي ابن إسحق لما رآه عن ابن المسيب كتبه. قال بعضهم: ولم يبك أحد بعد موته ما بكي عبد المطلب بعد موته، ولم يقم لموته بمكة سوق أياما كثيرة.
وروى أبو نعيم والبيهقي: أن سيف بن ذي يزن الحميري لما ولي على الحبشة، وذلك بعد مولد رسول صلى الله عليه وسلم بسنتين أتاه وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتهنئه: أي بهلاك ملوك الحبشة وبولايته عليهم: أي لأن ملك اليمن كان لحمير، فانتزعته الحبشة منهم، واستمر في يد الحبشة سبعين سنة ثم إن سيف بن ذي يزن الحميري استنقذ ملك اليمن من الحبشة، واستقر فيه على عادة آبائه، وجاءت العرب تهنئه من كل جانب، وكان من جملتهم وفد قريش وفيهم عبد المطلب وأمية بن عبد شمس، وغالب وجهائهم أي كعبد الله بن جدعان بضم الجيم وإسكان الدال المهملة وبالعين المهملة التيمي، وهو ابن عم عائشة رضي الله تعالى عنها، وكأسد بن عبد العزى، ووهب بن عبد مناف، وقصي بن عبد الدار، فأخبر بمكانهم: أي وكان في قصره بصنعاء وهو مضمخ بالمسك، وعليه بردان، والتاج على رأسه وسيفه بين يديه، وملوك حمير عن يمينه وشماله، فأذن لهم فدخلوا عليه، ودنا منه عبد المطلب.
وفي الوفاء وجدوه جالسا على سرير من الذهب، وحوله أشراف اليمن على كراسي من الذهب، فوضعت لهم كراسي من الذهب فجلسوا عليها إلا عبد المطلب فإنه قام بين يديه واستأذنه في الكلام، فقال: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك، فقال: إن الله عز وجل أحلك أيها الملك محلا رفيعا شامخا: أي