للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرتفعا باذخا: أي عاليا منيعا، وأنبتك نباتا طالت أرومته، وعظمت جرثومته: أي والأرومة والجرثومة هما الأصل، وثبت أصله وبسق: أي طال فرعه في أطيب موضع وأكرم معدن، وأنت أبيت اللعن أي أبيت أن تأتي من الأمور ما يعلن عليه، ملك العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، وكهفها الذي تلجأ إليه العباد سلفك خير سلف. وأنت لنا فيهم خير خلف، فلن يهلك ذكر من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه، نحن أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا: أي أحضرنا إليك الذي أبهجنا من كشف الكرب الذي فدحنا أي أثقلنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد الترزئة أي التعزية، فعند ذلك قال له الملك من أنت أيها المتكلم؟ قال عبد المطلب ابن هاشم، قال: ابن أختنا بالتاء المثناة فوق، لأن أم عبد المطلب من الخزرج وهم من اليمن، قال نعم، قال ادنه، ثم أقبل عليه وعلى القوم، فقال: مرحبا وأهلا، وناقة ورحلا، ومستناخا سهلا وملكا ربحلا: أي كثير العطاش، يعطى عطاء جزلا.

قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، فإنكم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء: أي العطاء إذا ظعنتم، ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود، وأجرى عليهم الأنزال، فأقاموا بذلك شهرا لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم بالانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة، فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه، ثم قال له: يا عبد المطلب إني مفض إليك من سر علمي أمرا لو غيرك يكون لم أبح له به، ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعه أي عليه، فليكن عندك مخبأ حتى يأذن الله عز وجل فيه، إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون الذي ادخرناه لأنفسنا واحتجبناه: أي كتمناه دون غيرنا خبرا عظيما، وخطرا جسيما فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة، فقال له عبد المطلب: مثلك أيها الملك سرّ وبرّ، فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر؟ قال إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة ولكن به الزعامة أي السيادة إلى يوم القيامة، فقال له عبد المطلب: أيها الملك أبت، أي رجعت بخير ما آب بمثله وافد قوم، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من مساره: أي من مساررته إياي بما ازداد به سرورا، فقال له الملك: هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه قد ولدناه مرارا، والله باعثه جهارا: وجاعل له منا أنصارا يعزبهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض أي جميعا، ويستفتح بهم كرائم الأرض، يعبد الرحمن، ويدحض: أي يزجر الشيطان، ويخمد النيران، ويكسر الأوثان. قوله فصل، وحكمه عدل، ويأمر بالمعروف ويفعله، وينهي عن المنكر ويبطله: قال له عبد المطلب: جد جدك، ودام ملكك، وعلا كعبك، فهل الملك ساريّ بإفصاح، فقد وضح لي بعض الإيضاح، قال: والبيت ذي

<<  <  ج: ص:  >  >>