للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لما بنوها جعلوها مدماكا من خشب الساج، ومدماكا من الحجارة من أسفلها إلى أعلاها، وزادوا فيها تسعة أذرع، فكان ارتفاعها ثمانية عشر ذراعا، ورفعوا بابها من الأرض، فكان لا يصعد إليها إلا في درج، وضاقت بهم النفقة عن بنيانها على تلك القواعد فأخرجوا منها الحجر، وفي لفظ: أخرجوا من عرضها أذرعا من الحجر وبنوا عليه جدارا قصيرا علامة على أنه من الكعبة.

ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختصموا، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى أعدّوا للقتال، فقرّبت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدي: أي تحالفوا على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا لعقة الدم، وقد تقدم في حلف المطيبين، ومكث النزاع بينهم أربع أو خمس ليال ثم اجتمعوا في المسجد الحرام. وكان أبو أمية بن المغيرة، واسمه حذيفة أسنّ قريش كلها يومئذ: أي وهو والد أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهو أحد أجواد قريش المشهورين بالكرم، وكان يعرف بزاد الراكب، لأنه كان إذا سافر لا يتزود معه أحد، بل يكفي كل من سافر معه الزاد.

أي وذكر بعضهم أن أزواد الراكب من قريش ثلاثة: زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد مناف، قتل يوم بدر كافرا، ومسافر بن أبي عمرو بن أمية، وأبو أمية ابن المغيرة وهو أشهرهم بذلك.

وفي كلام بعضهم: لا تعرف قريش زاد الراكب إلا أبا أمية بن المغيرة وحده، يحتمل أن المراد لا تكاد تعرف قريش غيره بهذا الوصف لشهرته فلا مخالفة، وأبو أمية هذا مات على دينه، ولعله لم يدرك الإسلام، فقال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم: أي وهو باب بني شيبة، وكان يقال له في الجاهلية باب بني عبد شمس الذي يقال له الآن باب السلام. وفي لفظ أوّل من يدخل من باب الصفا: أي وهو المقابل لما بين الركنين اليماني والأسود ففعلوا أي وفي كلام البلاذري أن الذي أشار على قريش بأن يضع الركن أوّل من يدخل من باب بني شيبة مهشم بن المغيرة ويكنى أبنا حذيفة.

وقد يقال: لا مخالفة، لأنه يجوز أن يكون اسمه حذيفة، ويكنى بأبي حذيفة كما يكنى بأبي أمية ومهشم لقبه، وأن الراوي عنه اختلف كلامه، فتارة قيل عنه يقضي بينكم، وتارة قيل عنه يضع الركن، والمشهور الأول، ويدل له ما يأتي، فكان أول داخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا، هذا محمد: أي لأنهم كانوا يتحاكمون إليه صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، لأنه كان لا يداري ولا يماري، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى الله عليه وسلم: هلم إليّ ثوبا فأتي به: أي وفي رواية: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره وبسطه في الأرض أي ويقال إنه كساء أبيض من متاع الشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>