يأمرك أن تأخذ بقدر هذه السحابة، فجعل ينظر إليها ويخط قدرها، ثم قال الرأس له: قد فعلت قال نعم، فارتفعت» فليتأمل الجمع بين هذه الروايات وبينها وبين ما تقدم أن جبريل ضرب بجناحه الأرض فأبرز عن أس إلى آخره. وجاء «إن السكينة جعلت تسير ودليله الصرد» وهو الطائر المعروف: أي وهو طائر فوق العصفور يصيد العصافير وغيرها، لأن له صفيرا مختلفا يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته فيدعوه إلى القرب منه فإذا قرب منه قصمه من ساعته وأكله. ويقال له الصوام، لأنه ورد أنه أول طائر صام عاشوراء. فعن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى يدي صرد فقال: هذا أول طير صام عاشوراء» لكن قال الذهبي هو حديث منكر. وقال الحاكم: حديث باطل.
ويذكر أن خالد بن الوليد لما قتل طليحة الكذاب الذي ادعى النبوة في زمنه صلى الله عليه وسلم، وقوي أمره بعد موته صلى الله عليه وسلم قال خالد لبعض أصحابه ممن أسلم: ما كان يقول لكم طليحة من الوحي؟ فقال: كان يقول: والحمام واليمام، والصدر الصوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام. وقد سمع نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام الصرد يصوّت فقال: يقول: استغفروا الله يا مذنبون.
وفي الكشاف أن ذلك صياح الهدهد، ولا مانع أن يكون ذلك صياحهما.
وسمع طاووسا يصوت فقال: يقول كما تدين تدان. وسمع هدهدا يصوت فقال:
يقول: من لا يرحم لا يرحم.
ويجمع بينه وبين ما تقدم بأنه يجوز أن الهدهد تارة يقول استغفروا الله يا مذنبون، وتارة يقول من لا يرحم لا يرحم. وسمع خطافا يصوت، فقال: يقول قدموا خيرا تجدوه. وسمع ديكا يصوت فقال: يقول: اذكروا الله يا غافلون. وسمع بلبلا يصوت فقال: يقول: إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاختة، فقال: إنها تقول: ليت الخلق لم يخلقوا. وسمع رخمة تصوت فقال: تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه. وقال: الحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله. والقطاة تقول: من سكت سلم. والببغا تقول: ويل لمن الدنيا همه. والنسر يقول: يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت. والعقاب يقول: في البعد عن الناس أنس.
وعن سيدنا سليمان صلوات الله وسلامه عليه: ليس من الطيور أنصح لبني آدم وأشفق عليهم من البومة، تقول إذا وقفت عند خربة: أين الذين كانوا يتنعمون بالدنيا، ويسعون فيها؟ ويل لبني آدم، كيف ينامون وأمامهم الشدائد، تزودوا، يا غافلون، وتهيؤوا لسفركم.
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا طيرا أعمى يضرب بمنقاره على شجرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدري ما يقول: