فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال: إنه يقول: اللهم أنت العدل وقد حجبت عني بصري وقد جعت، فأقبلت جرادة فدخلت في فمه، ثم ضرب بمنقاره الشجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: أتدري ما يقول: قلت: لا، قال إنه يقول: من توكل على الله كفاه» .
ويقال لما قال سليمان للهدهد، لأعذبنك عذابا شديدا، قال له الهدهد: اذكر يا بني الله وقوفك بين يدي الله، فلما سمع سليمان صلوات الله وسلامه عليه ذلك ارتعد فرقا وعفا عنه: أي فإن الهدهد كان دليلا له على الماء، لأن الهدهد يرى الماء تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة، فلما فقد سليمان الماء تفقد الهدهد فلم يجده، فأرسل خلفه العقاب، فرآه الهدهد مقبلا من جهة اليمن، فلما رآه الهدهد منقضا عليه قال له بحق من أقدرك علي إلا ما رحمتني.
قيل لابن عباس: يا سبحان الله! الهدهد يرى الماء تحت الأرض ولا يرى الفخ؟ فقال: إذا وقع القضاء عمي البصر. قيل عني سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام بالعذاب الشديد الذي يعذبه به الهدهد التفرقة بينه وبين إلفه، وقيل إلزامه خدمة أقرانه، وقيل صحبة الأضداد وقد قيل: أضيق السجون عشرة الأضداد. وقيل الزوجة العجوز. قال تعالى حكاية عنه عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [النّمل: الآية ١٦] .
قال بعضهم: عبر عن أصواتها بالمنطق، لما يتخيل منها من المعاني التي تدرك من النطق، فسليمان صلوات الله وسلامه عليه مهما سمع من صوت طائر علم بقوته القدسية الغرض الذي أراده ذلك الطائر، وهذا في طائر لم يفصح بالعبارة، وإلا فقد يسمع من بعض الطيور الإفصاح بالعبارة. فنوع من الغربان يفصح بقوله: الله حق.
وعن بعضهم قال: شاهدت غرابا يقرأ سورة السجدة، وإذا وصل إلى محل السجود سجد وقال: سجد لك سوادي، وآمن بك فؤادي، والدرة تنطق بالعبارة الفصيحة.
وقد وقع لي أني دخلت منزلا لبعض أصحابنا وفيه درة لم أرها، فإذا هي تقول لي: مرحبا بالشيخ البكري وتكرر ذلك، فعجبت من فصاحة عبارتها.
وكان عليه السلام يعرف نطق الحيوان غير الطير، فقد جاء أن سليمان عليه الصلاة والسلام سمع النملة وقد أحست بصوت جنود سليمان، تقول للنمل ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النّمل: الآية ١٨] فعند ذلك أمر سليمان الريح فوقفت حتى دخل النمل مساكنها، ثم جاء سليمان إلى تلك النملة وقال لها:
حذرت النمل ظلمي، قالت: أما سمعت قولي وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف: الآية ٩٥] على أني لم أرد حطم النفوس أي إهلاكها، إنما أردت حطم القلوب خشية أن يشتغلن بالنظر إليك عن التسبيح: أي فيمتن.