فقد جاء مرفوعا «آجال البهائم كلها وخشاش الأرض في التسبيح، فإذا انقضى تسبيحها، قبض الله أرواحها» ويروى «ما من صيد يصاد ولا شجرة تقطع إلا بغفلتها عن ذكر الله تعالى» وفي الحديث «الثوب يسبح، فإذا اتسخ انقطع تسبيحه» وفي رواية «إن النملة قالت له إنما خشيت أن تنظر إلى ما أنعم الله به عليك فتكفر نعم الله عليها، فقال لها: عظيني، قالت: هل تدري لم جعل ملكك في فص خاتمك؟ قال لا، قالت: أعلمك أن الدنيا لا تساوي قطعة من حجر» .
ومن عجيب صنع الله تعالى أن النملة تغتذي بشم الطعام، لأنها لا جوف لها يكون به الطعام. ويذكر أن هذه النملة التي خاطبت سيدنا سليمان أهدت له نبقة فوضعتها في كفه.
ويحكى عنها لطيفة لا نطيل بذكرها. وفي فتاوى الجلال السيوطي. قال الثعالبي في زهرة الرياض: لما تولى سليمان عليه الصلاة والسلام الملك جاءه جميع الحيوانات يهنئونه إلا نملة واحدة فجاءت تعزيه، فعاتبها النمل في ذلك، فقالت:
كيف أهنيه وقد علمت أن الله تعالى إذا أحب عبدا زوى عنه الدنيا وحبب إليه الآخرة. وقد شغل سليمان بأمر لا يدرى ما عاقبته، فهو بالتعزية أولى من التهنئة.
وجاء في بعض الأيام شراب من الجنة، فقيل له: إن شربته لم تمت، فشاور جنده، فكل أشار بشربه إلا القنفذ فإنه قال له: لا تشربه، فإن الموت في عز خير من البقاء في سجن الدنيا، قال صدقت، فأراق الشراب في البحر.
قال: وصار إبراهيم وإسمعيل صلوات الله وسلامه عليهما يتبعان الصرد حتى وصلا إلى محل البيت صارت السكينة سحابة، وقالت: يا إبراهيم خذ قدر ظلي فابن عليه: أي وفي لفظ «لما أمر إبراهيم ببناء البيت ضاق به ذرعا فأرسل إليه السكينة وهي ريح خجوج ملتوية في هبوبها لها رأس» الحديث فحفر إبراهيم واسمعيل عليهما الصلاة والسلام فأبرزا أي الحفر عن أس ثابت في الأرض. فبنى إبراهيم واسمعيل يناول الحجارة: أي التي تأتي بها الملائكة، كما سيأتي حتى ارتفع البناء اهـ.
أقول: يحتمل أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لما أوحى الله إليه بذلك كان في مكة عند إسمعيل وإنهما كانا بمحل بعيد عن محل البيت. ويحتمل أنهما كانا بغيرها ثم جاآ.
وقد قيل في قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ [النّحل: الآية ١٢٠] الآية: أي قائما مقام الأمة لانفراده بعبادة الله تعالى في أرضه، لأنه لم يكن على وجه الأرض من يعبد الله سواه، والله أعلم.
قال: ثم لما ارتفع البناء جاء بالمقام أي وهو الحجر المعروف، فقام عليه وهو