يا بني وهما يقولان رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: الآية ١٢٧] وصار كلما ارتفع البناء ارتفع به المقام في الهواء، فأثر قدم إبراهيم في ذلك الحجر. وقيل إنما أثر في صخرة اعتمد عليها وهو قائم حين غسلت زوجة إسمعيل له رأسه، لأن سارة كانت أخذت عليه عهدا حين استأذنها في الذهاب إلى مكة لينظر كيف حال إسمعيل وهاجر، فحلف لها إنه لا ينزل عن دابته: أي التي هي البراق ولا يزيد على السلام واستطلاع الحال، غيرة من سارة عليه من هاجر، فحين اعتمد على الصخرة ألقى الله تعالى فيها أثر قدمه آية، وفيه كيف يعتمد بقدمه على الصخرة وهو راكب دابته؟ إلا أن يقال لما مال بشقه اعتمد عليها بإحدى رجليه مع ركوبه، وهذا يدل على أن الموجود في المقام أثر قدمه لا قدميه، ووقوفه عليه في حال البناء يدل على أن الموجود فيه أثر قدميه فلينظر، وجعل ارتفاع البيت تسعة أذرع، قيل وعرضه ثلاثين ذراعا. قال بعضهم: وهو خلاف المعروف، ولم يجعل له سقفا ولا بناه بمدر، وإنما رصه رصا وجعل له بابا: أي منفذا لاصقا بالأرض، غير مرتفع عنها، ولم ينصب عليه بابا: أي يقفل، وإنما جعله تبع الحميري بعد ذلك، وحفر له بئرا داخله عند بابه: أي على يمين الداخل منه يلقى فيها ما يهدي إليه، وكان يقال لها خزانة الكعبة كما تقدم.
ولما أراد أن يجعل حجرا يجعله علما للناس: أي يبتدئون الطواف منه ويختمون به، ذهب إسمعيل عليه الصلاة والسلام إلى الوادي يطلب حجرا، فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام بالحجر الأسود يتلألأ نورا: أي فكان نوره يضيء إلى منتهى أبواب الحرم من كل ناحية. وفي الكشاف: إنه اسودّ لما لمسته الحيض في الجاهلية، وتقدم أنه اسودّ من مسح آدم به دموعه. وجاء «إن خطايا بني آدم سودته» وأما شدة سواده فبسبب إصابة الحريق له أولا في زمن قريش، وثانيا في زمن عبد الله ابن الزبير، وقد كان رفع إلى السماء حين غرقت الأرض زمن نوح، بناء على أنه كان موجودا في تلك الخيمة كما تقدم. وفي رواية: إن إبراهيم عليه الصلاة لما قال لإسمعيل: يا بني اطلب لي حجرا حسنا أضعه ههنا، قال: يا أبتي إني كسلان لغب أي تعب، قال: عليّ بذلك، فانطلق يأتيه بحجر، فجاءه جبريل بالحجر من الهند وهو الحجر الذي خرج به آدم من الجنة: أي كما تقدم فوضعه إبراهيم موضعه، وقيل وضعه جبريل وبنى عليه إبراهيم، وجاء إسمعيل بحجر من الوادي فوجد إبراهيم قد وضع ذلك الحجر: أي أو بنى عليه فقال: من أين هذا الحجر؟ من جاءك به؟ قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: من لا يكلني إليك ولا إلى حجرك: أي وفي لفظ «جاءني به من هو أنشط منك» وفي لفظ «إن إسمعيل جاءه بحجر من الجبل، قال: غير هذا، فرده مرارا لا يرضى ما يأتيه به» وجاء «إن الله تعالى استودع الحجر أبا قبيس حين أغرق الله الأرض زمن نوح عليه الصلاة والسلام، وقال: إذا رأيت خليلي يا بني بيتي فأخرجه له: أي فلما انتهى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمحل