ويدرعها بيده، فكانت قريش بعد موت قصي يتبعون ما كان عليه في حياته كالدين المتبع، ولا زالت هذه الدار في يد بني عبد الدار إلى أن صارت إلى حكيم بن حزام فباعها في الإسلام بمائة ألف درهم، فلامه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وقال أتبيع مكرمة آبائك وشرفهم؟ فقال حكيم رضي الله عنه: ذهبت المكارم إلا التقوى، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر، وقد بعتها بمائة ألف، وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله تعالى فأينا المغبون؟
قيل وقصي: هو جماع قريش، فلا يقال لأحد من أولاد من فوقه قرشي، ونسب هذا القول لبعض الرافضة، وهو قول باطل، لأنه توصل به إلى أن لا يكون سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما من قريش فلا حق لهما في الإمامة العظمى التي هي الخلافة، لقوله صلى الله عليه وسلم «الأئمة من قريش» ولقوله صلى الله عليه وسلم لقريش: «أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم على الحق إلا أن تعدلوا عنه» لأنهما لم يلتقيا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا فيما بعد قصي، لأن أبا بكر رضي الله عنه يجتمع معه في مرة كما سيأتي، لأن تيم بن مرة بينه وبين أبي بكر رضي الله عنه خمسة آباء، وعمر رضي الله عنه يجتمع معه في كعب كما سيأتي، وبين عمر رضي الله عنه وكعب سبعة آباء وقصي (بن كلاب) أي واسمه حكيم، وقيل عروة، ولقب بكلاب لأنه كان يحب الصيد وأكثر صيده كان بالكلاب، وهو الجد الثالث لآمنة أمه صلى الله عليه وسلم، ففي كلاب يجتمع نسب أبيه وأمه (ابن مرة) وهو الجد السادس لأبي بكر رضي الله تعالى عنه، والإمام مالك رضي الله تعالى عنه يجتمع معه صلى الله عليه وسلم في هذا الجد الذي هو مرة أيضا (ابن كعب) أي وهو الجد الثامن لعمر رضي الله تعالى عنه، وكان كعب يجمع قومه يوم العروبة: أي يوم الرحمة الذي هو يوم الجمعة، ويقال إنه أول من سماء يوم الجمعة لاجتماع قريش فيه إليه، لكن في الحديث كان أهل الجاهلية يسمون يوم الجمعة يوم العروبة، واسمه عند الله تعالى يوم الجمعة. قال ابن دحية: ولم تسم العروبة الجمعة إلا منذ جاء الإسلام، وسيأتي في ذلك كلام فكانت قريش تجتمع إلى كعب ثم يعظهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلمهم بأنه من ولده، ويأمرهم باتباعه، ويقول: سيأتي لحرمكم نبأ عظيم، وسيخرج منه نبي كريم، وينشد أبياتا آخرها:
على غفلة يأتي النبي محمد ... فيخبر أخبارا صدوق خبيرها
وينشد أيضا:
يا ليتني شاهد فحواء دعوته ... حين العشيرة تبغي الحق خذلان
وكان بينه وبين مبعثه صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وستون سنة. وفي الإمتناع: وعشرون سنة، لأن الحق أن الخمسمائة والستين إنما هي بين موت كعب والفيل الذي هو