أمه؟ قالت: ما أجدني إلا شاكية، فقال لها: إن في الموت لراحة فقالت: لعلك تبغيه لي ما أحب أن أموت حتى يأتي على أحد طرفيك: إما قتلت، وإما ظفرت بعدوك فقرت عيني. ولما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها في المسجد، فقالت له: يا بنيّ لا تقبلنّ منهم حطة تخاف فيها على نفسك، الذي تخافه القتل، فو الله لضربة بالسيف في عزّ خير من ضربة سوط في ذل.
ويقال إن الناس لا زالوا يتنقلون عن ابن الزبير إلى الحجاج لطلب الأمان وهو يؤمنهم، حتى خرج إليه قريب من عشرة آلاف حتى كان من جملة من خرج إليه حمزة وخبيب ابنا عبد الله بن الزبير وأخذ لأنفسهما أمانا من الحجاج فأمنهما.
ودخل عبد الله على أمه فشكا إليها خذلان الناس له وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، والقوم يعطونني ما شئت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: يا بني أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه فقد قتل أصحابك عليه، ولا تمكن من رقبتك تلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك كم خلودك في الدنيا، فدنا منها وقبل رأسها وقال: والله ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمته.
وبعد أن قتل وصلب على الجذع فوق الثنية ومضت ثلاثة أيام جاءت أمه أسماء رضي الله تعالى عنها تقاد، لأن بصرها كان قد كف حتى وقفت عليه، فدعت له طويلا ولم يقطر من عينها دمعة، وقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل، فقال لها الحجاج المنافق: رأيت كيف نصر الله الحق وأظهر أن ابنك ألحد في هذا البيت، وقد قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الحجّ: الآية ٢٥] وقد أذاقه الله ذلك العذاب الأليم.
وفي كلام سبط ابن الجوزي أن ابن الزبير لما قال لعثمان رضي الله تعالى عنه وهو محاصر إن عندي نجائب أعددتها لك فهل لك أن تنجو إلى مكة فإنهم لا يستحلونك بها، قال له عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يلحد رجل في الحرم من قريش أو بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم، فلن أكون أنا» .
وفي رواية قال له، لا لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله عليه مثل نصف أوزار الناس» هذا كلامه.
وعندي أن المراد بعبد الله الحجاج لا ابن الزبير. ولا مانع أن يكون الحجاج من قريش على أن الذي في الصواعق لابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى أن القائل لعثمان ذلك المغيرة بن شعبة.