وفي مدة صلب عبد الله بن الزبير صارت أمه تقول: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثته. وذهب أخوه عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان يسأل في إنزاله عن الخشبة فأجابه وأنزله، قال غاسله: كنا لا نتناول عضوا من أعضائه إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو ونضعه في أكفانه، وقامت فصلت عليه أمه وماتت بعده بجمعة، ذكر ذلك في الاستيعاب، وقيل بعده بمائة يوم. قال الحافظ ابن كثير وهو المشهور.
وبلغت من العمر مائة سنة، ولم يسقط لها سنّ، ولم ينكر لها عقل. وقتل مع ابن الزبير مائتان وأربعون رجلا، منهم من سال دمه في جوف الكعبة. وكان من جملة من قتل عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي. قتل يوم قتل ابن الزبير وقطع رأسه، وبعث الحجاج برأسه ورأس ابن الزبير إلى المدينة فنصبوهما وصاروا يقربون رأس عبد الله بن صفوان إلى رأس ابن الزبير كأنه يساره يلعبون بذلك، ثم بعثوا بهما إلى عبد الملك بن مروان.
ولما وضعت رأس عبد الله بن الزبير بين يدي عبد الملك سجد وقال: والله كان أحب الناس إليّ وأشدهم إليّ إلفا ومودة، ولكن الملك عقيم: أي فإن الرجل يقتل ابنه أو أخاه على الملك فإذا فعل ذلك انقطعت بينهما الرحم، وستأتي مدحة عبد الملك لعبد الله بن الزبير، وتوبيخ أمير الجيش الذي أرسله يزيد لمقاتلته.
وقد كان ابن الزبير قال لعبد الله بن صفوان: إني قد أقلتك بيعتي، فاذهب حيث شئت، فقال: إنما أقاتل عن ديني، وكان سيدا شريفا مطاعا حليما كريما قتل وهو متعلق بأستار الكعبة. وحينئذ يشكل كونه حرما آمنا.
ومما يدل لما تقدم من أن عبد الله بن الزبير كان عنده سوء خلق، ما حكي أنه جاء إليه شخص فقال له: إن الناس على باب عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما يطلبون العلم وإن الناس على باب أخيه عبيد الله يطلبون الطعام، فأحدهما يفقه الناس، والآخر يطعم الناس، فما أبقيا لك مكرمة، فدعا شخصا وقال له: انطلق إلى ابني العباس رضي الله تعالى عنهم وقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين اخرجا عني وإلا فعلت وفعلت، فخرجا إلى الطائف: أي وقيل ما خرج عبد الله من مكة إلى الطائف إلا لأن الله تعالى يقول: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الحجّ: الآية ٢٥] .
فقد قال الشيخ محيي الدين بن العربي: اعلم أن الله تعالى قد عفا عن جميع الخواطر التي لا تستقر عندنا إلا بمكة، لأن الشرع قد ورد أن الله يؤاخذ فيه من يرد فيه بإلحاد بظلم، وكان هذا سبب سكنى عبد الله بن عباس بالطائف احتياطا لنفسه، لأنه ليس في قدرة الإنسان أن يدفع عن قلبه الخواطر.
قال بعضهم: كان يقال من أراد الفقه والجمال والسخاء فليأت دار العباس،