والشاذروان الذي أخرجه عبد الله بن الزبير من عرض الأساس الذي بنته قريش لأجل مصلحة استمساك البناء وثباته.
ومن العجب ما حدث به بعضهم قال: كنت أميرا على الجيش الذي بعث به يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن الزبير بمكة، فدخلت مسجد المدينة، فجلست بجانب عبد الملك بن مروان، فقال لي عبد الملك: أنت أمير هذا الجيش؟ قلت نعم، قال ثكلتك أمك، أتدري إلى من تسير؟ تسير إلى أول مولود ولد في الإسلام: أي بالمدينة من أولاد المهاجرين، وإلى ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ابن ذات النطاقين يعني أسماء، وإلى من حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما والله إن جئته نهارا وجدّته صائما، وإن جئته ليلا وجدته قائما، فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله في النار جميعا، فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه.
وذكر بعضهم أن عبد الملك بن مروان لما رأى جيش يزيد متوجها إلى مكة قال: أعوذ بالله أيبعث الجيش إلى حرم الله، فضرب منكبه شخص كان يهوديا وأسلم وكان يقرأ الكتب وقال له: جيشك إليه أعظم.
ويقال إن هذا اليهودي مرّ على دار مروان والد عبد الملك هذا، فقال: ويل لأمة محمد من أهل هذه الدار: أي لأن مروان كان سببا لقتل عثمان، وعبد الملك ابنه كان سببا لقتل عبد الله بن الزبير، ووقع من الوليد بن يزيد بن عبد الملك الأمور الفظيعة.
وسبب ولاية الحجاج على الجيش أنه قال لعبد الملك بن مروان: رأيت في منامي أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فولني قتاله فولاه، فأرسله في جيش كثيف من أهل الشام، فحضر ابن الزبير ورمى الكعبة بالمنجنيق. ولما رمي به أرعدت السماء وأبرقت فخاف أهل الشام، فصاح الحجاج: هذه صواعق تهامة وأنا ابنها، ثم قام ورمى المنجنيق بنفسه فزاد ذلك، ولم تزل صاعقة تتبعها أخرى حتى قتلت اثني عشر رجلا فخاف أهل الشام زيادة.
قال بعضهم: ولا زال الحجج يحضهم على الرمي بالمنجنيق، ولم تزل الكعبة ترمى بالمنجنيق حتى هدمت وحرقت أستارها حتى صارت كالفحم.
أي وفيه أنه لو كانت هدمت أو حرقت لأعيد بناؤها أو أصلحت بالترميم، ولو وقع ذلك لنقل، لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله، ولعل هذا اشتبه على بعض الرواة، ظن أن الذي وقع من جيش يزيد واقع من الحجاج.
فإن قيل هلا أهلك الله من نصب المنجنيق على الكعبة كما أهلك أبرهة؟ قلنا لأن من نصب المنجنيق لم يرد هدم الكعبة، بخلاف أبرهة كما تقدم. وفيه أنه قد يشكل كونه حرما آمنا.