للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأول من ضرب الدراهم في الإسلام الحجاج بأمر عبد الملك بن مروان، وكتب عليها: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) [الإخلاص: الآية ١- ٢] أي على أحد وجهي الدراهم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) [الإخلاص: الآية ١] وعلى وجهه الثاني اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) [الإخلاص: الآية ٢] .

ولم توجد الدراهم الإسلامية إلا في زمن عبد الملك بن مروان، وكانت الدراهم قبل ذلك رومية وكسروية. وفي زمن الخليفة المستنصر بالله وهو السابع والثلاثون من خلفاء بني العباس ضرب دراهم وسماها النقرة، وكانت كل عشرة بدينار، وذلك في سنة أربع وعشرين وستمائة.

ولما دخل سليمان بن عبد الملك المدينة سأل هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: أبو حازم، فأرسل إليه، فلما دخل عليه سأله فقال:

يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنقلوا من عمران إلى خراب، فقال له: وكيف القدوم على الله؟ قال: أما المحسن فكغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان وقال: يا ليت شعري، ما لنا عند الله؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله تعالى، فقال: في أي مكان أجده؟ فقال: في قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) [الانفطار: الآيتان ١٣ و ١٤] قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال:

قريب من المحسنين، قال: فأي عباد الله أكرم؟ قال: أولو المروءة.

وجاء أعرابي إلى سليمان بن عبد الملك هذا، فقال: يا أمير المؤمنين إني أكلمك بكلام فاحتمله، فإن وراءه إن قبلته ما تحب. فقال سليمان: هاته يا أعرابي، فقال الأعرابي: إني طلق لساني بما خرست عنه الألسن تأدية لحق الله. إنه قد اكتنفك رجال قد أساؤوا الاختيار لأنفسهم، وابتاعوا دنياك بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، وخافوك في الله، ولم يخافوا الله فيك، فهم حرب للآخرة وسلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما استخلفك الله عليه، فإنهم لن يبالوا بالأمانة، وأنت مسؤول عما اجترموا فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس عند الله عيبا من باع آخرته بدنيا غيره، فقال له سليمان: أنت ما أنت بأعرابي، فقد سللت لسانك وهو سيفك، قال: أجل يا أمير المؤمنين لك لا عليك.

ولما حج بالناس قال لولد عمه وولى عهده عمر بن عبد العزيز: ألا ترى هذا الخلق، الذي لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، ولا يسع رزقهم غيره؟ فقال: يا أمير المؤمنين هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غدا خصماؤك عند الله، فبكى سليمان بكاء شديدا، ثم قال: بالله أستعين، وقال يوما لعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه حين أعجبه ما صار إليه من الملك: يا عمر كيف ترى ما نحن فيه؟ فقال: يا أمير

<<  <  ج: ص:  >  >>