منهم لغة لا يشاركه غيره فيها، وكان يكلم كل واحد منهم بلغته، وهذا أغرب مما استغرب. وهو أن ترجمان الواثق بالله من خلفاء بني العباس كان عارفا بألسن كثيرة، حتى قيل إنه يعرف أربعين لغة، ويماري فيها.
وقد قال الحجاج لعروة بن الزبير يوما في كلام جرى بينهما: لا أم لك، فقال: إليّ تقول هذا وأنا ابن عجائز الجنة؟ يعني جدته صفية وعمته خديجة وخالته عائشة وأمه أسماء.
وقال الحجاج يوما لشخص: ما تقول في عبد الملك بن مروان؟ فقال الرجل:
ما أقول في رجل أنت سيئة من سيئاته.
وقد أطلق سليمان بن عبد الملك لما ولي الخلافة من سجن الحجاج سبعين ألفا قد حبسهم للقتل ليس لواحد منهم ذنب يستوجب به الحبس فضلا عن القتل.
وذكر أنه كان يحبس الرجال مع النساء، ولم يكن لحبسه بيوت أخلية، فكان الرجل يبول بجانب المرأة والمرأة تبول بجانب الرجل، فتبدو العورات، وكان كل عشرة في سلسلة، ويطعمهم خبز الدخن مخلوطا بالملح والرماد.
ومر يوم جمعة فسمع استغاثة، فقال: ما هذا؟ فقيل له أهل السجن يقولون قتلنا الحر، فقال: قولوا لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون، فما عاش بعد ذلك إلا أقل من جمعه.
وآخر من قتله الحجاج من التابعين سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه، ولم يقتل بعد ابن جبير إلا رجلا واحدا.
وقال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بفرعونها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم. وقال سليمان بن عبد الملك لرجل من أخصاء الحجاج بعد موت الحجاج:
أبلغ الحجاج قعر جهنم؟ فقال: يا أمير المؤمنين يجيء الحجاج يوم القيامة بين أبيك عبد الملك، وبين أخيك الوليد بن عبد الملك، فضعه في النار حيث شئت.
ومن غريب الاتفاق ما حكاه بعضهم، قال: مات رجل، فلما وضع على مغتسله استوى قاعدا وقال: نظرت بعيني هاتين. وأهوى بيديه إلى عينيه- الحجاج وعبد الملك في النار يسحبان بأمعائهما ثم عاد ميتا كما كان.
والحجاج متأصل في الظلم. فقد رأيت بعضهم حكى أنه يقال في المثل: أظلم من ابن الجلندي، وهو المشار إليه بقوله تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً [الكهف: الآية ٧٩] وإنه من أجداد الحجاج، بينه وبينه سبعون جدا.
واستحلف الحجاج رجلا في أمر فقال: لا والذي أنت في يديه غدا أذل مني بين يديك اليوم، فقال: والله إني يومئذ لذليل.