للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان شاعرا ثم أسلم. فعن محمد بن كعب القرظي قال: بينا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ذات يوم جالسا إذ مرّ به رجل، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المارّ؟ قال: ومن هذا؟ قالوا سواد بن قارب الذي أتاه رئيه: أي تابعه من الجن، الذي يتراءى له، أتاه بظهور النبي صلى الله عليه وسلم أي بعد أن قال عمر رضي الله تعالى عنه على المنبر أي منبر النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس أفيكم سواد بن قارب؟ فلم يجبه أحد، فلما كان السنة المقبلة ولعل ذلك كان في زمن المجيء للزيارة من الآفاق قال: أيها الناس أفيكم سواد بن قارب؟ قال بعضهم: يا أمير المؤمنين ما سواد بن قارب؟ قال: إن سواد بن قارب كان بدء إسلامه شيئا عجيبا. قال البراء: فبينا نحن كذلك، إذ طلع سواد بن قارب، فأرسل إليه عمر رضي الله تعالى عنه فقال له: أنت سواد بن قارب؟

قال نعم، قال: أنت الذي أتاك رئيك بظهور النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم، قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك، فغضب سواد بن قارب وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين، فقال له: سبحان الله: ما كنا عليه من الشرك: أي من عبادة الأصنام أعظم مما كنت عليه من كهانتك: أي وفي رواية أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: اللهم غفرا، قد كنا في الجاهلية على شر من هذا نعبد الأصنام والأوثان، حتى أكرمنا الله برسوله صلى الله عليه وسلم وبالإسلام.

أقول: وفيه أن المتبادر أن غضب سواد إنما هو بسبب ما فهمه من نسبته إلى الكهانة بعد الإسلام لا قبلها، بدليل قوله ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت. وجواب سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه يدل على أنه فهم أن غضب سواد بسبب نسبته للكهانة قبل الإسلام، فلذلك قال: سبحان الله متعجبا منه.

وفي كلام السهيلي أن عمر رضي الله تعالى عنه مازح سوادا رضي الله تعالى عنه فقال له: ما فعلت كهانتك يا سواد؟ فغضب وقال له سواد رضي الله تعالى عنه:

قد كنت أنا وأنت على شر من هذا من عبادة الأصنام وأكل الميتات، أفتعيرني بأمر قد تبت منه؟ فقال عمر رضي الله تعالى عنه: اللهم غفرا فليتأمل والله أعلم. ثم قال لسواد: أخبرني ما نبأ رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية قال: يا سواد حدثنا ببدء إسلامك كيف كان؟ قال نعم يا أمير المؤمنين. بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان: إذ أتاني رئيي، فضربني برجله وقال:

قم يا سواد بن قارب، فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز وجل وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:

عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها

تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما صادق الجن ككذابها

<<  <  ج: ص:  >  >>