للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية «أين الصعب ذو القرنين؟ ملك الخافقين، وأذلّ الثقلين، وعمر ألفين، ثم كان ذلك كلمحة عين» .

قال: وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن قس بن ساعدة كان يخطب قومه بسوق عكاظ فقال: سيأتيكم حق من هذا الوجه؟. وأشار بيده إلى نحو مكة، قالوا له: وما هذا الحق؟ قال: رجل أبلج أحور، من ولد لؤي بن غالب، يدعوكم إلى كلمة الإخلاص، وعيش ونعيم لا ينفدان، فإذا دعاكم فأجيبوه، ولو علمت أني أعيش إلى مبعثه لكنت أول من يسعى إليه. وقد رويت هذه القصة من طرق متعددة.

قال الحافظ ابن كثير: هذه الطرق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة. وقال الحافظ ابن حجر: طرق هذا الحديث كلها ضعيفة، وهو يردّ قول ابن الجوزي في موضوعاته: حديث قس بن ساعدة من جميع جهاته باطل اهـ.

أقول: ذكر في «النور» أن في قصة قس ما يرشد إلى التعدد مرتين: مرة حفظ صلى الله عليه وسلم كلامه، وكان قس على جمل أحمر. والثانية التي لم يحفظ صلى الله عليه وسلم فيها كلامه كان قس على جمل أورق. قال: لكن لا أدري أي المرتين كانت أوّلا، هذا كلامه.

وقد يقال: النسيان جائز عليه صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم نسي كلام قس بعد الإخبار به أولا، ويدل لذلك قوله: «لا أظن أني أحفظه الآن» أو قبل الإخبار به، فيكون خبره صلى الله عليه وسلم متأخرا عن خبر أبي بكر، فلا دلالة في ذلك على التعدد، ووصف الجمل بأنه أحمر، ووصفه بأنه أورق لا يدل على التعدد، لأنه يجوز أن يكون شديد الحمرة وشدة الحمرة تميل إلى السواد وهو الأورق، فأخبر عنه مرة بأنه أحمر، ومرة بأنه أورق. وهذا السياق يدل على تعدد مجيء وفد عبد القيس، مرة جاؤوا وحدهم، ومرة جاؤوا مع سيدهم الجارود، وقد جاء «رحم الله قسا إنه كان على دين أبي إسمعيل بن إبراهيم» والله أعلم.

ومن ذلك خبر نافع الجرشي، نسبة إلى جرش بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة قبيلة من حمير تسمى به بلدهم: أن بطنا من اليمن كان لهم كاهن في الجاهلية، فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر في العرب، وجاؤوا إلى كاهنهم واجتمعوا إليه في أسفل جبل، فنزل إليهم حين طلعت الشمس، فوقف لهم قائما متكئا على قوس، فرفع رأسه إلى السماء طويلا. ثم قال: يا أيها الناس، إن الله أكرم محمدا واصطفاه وطهر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل.

وأما أخبار الكهان على ألسنة الجان فكثيرة أيضا:

منها خبر سواد بن قارب رضي الله تعالى عنه، وكان يتكهن في الجاهلية،

<<  <  ج: ص:  >  >>