للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شفاء من سبعين داء أدناها الهمّ والغم والحزن» وفرق بين الغم والهم، بأن الغم يعرض منه السهر، والهم يعرض منه النوم.

وفي حكمة آل داود: العافية ملك خفي، وهمّ ساعة هرم سنة. وقال الأطباء:

الهم يوهن القلب، وفيه ذهاب الحياة، كما أن في الحزن ذهاب البصر. وفي الحديث «من كثر همه سقم بدنه» فعلم أن النجوم على تسليم أنه كان يرمي بها قبل الولادة وبعدها إلى البعثة كانت قبل قرب زمن المبعث تصيب تارة ولا تصيب أخرى مع قلتها، وعند البعثة تصيب ولا بد مع كثرتها، وإن الكثرة هي سبب الفزع لا دوام الإصابة، وإلا فمجرد دوام الإصابة لا يكون حاملا على الفزع لأنه لا يظهر لكل أحد، بخلاف الكثرة، ومجرد الكثرة لا يكون سببا لقطع الكهانة، أو أنها قبل البعث كانت ترمي من جانب دون آخر، وبعد البعثة رميت من جميع الجوانب وإليه الإشارة بقوله تعالى: وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً [الصافات: الآية ٨ و ٩] فكان ذلك سببا للفزع، والمراد وجود ذلك مع دوام الإصابة ليكون سببا لقطع الكهانة، وإلا فمجرد الرمي من كل جانب مع قلة الإصابة لا يكون سببا لقطع الكهانة، ولما انقطعت الكهانة بعدم إخبار الجن قالت العرب هلك من في السماء، فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة، وصاحب الغنم ينحر كل يوم شاة حتى أسرعوا في أموالهم أي في إتلافها، فقالت ثقيف وكانت أعقل العرب: أيها الناس أمسكوا على أموالكم، فإنه لم يمت من في السماء، ألستم ترون معالمكم من النجوم كما هي، والشمس والقمر؟ كذا في كلام بعضهم، ولعله لا يخالف ما تقدم من أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم ثقيف، وأنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية، ولرجل آخر يقال له عبد يا ليل، لجواز أن يكون ما ذكر هنا صدر من بعضهم لبعض، ثم اجتمعوا على عمرو وعبد ياليل والله أعلم.

وظاهر القرآن والأخبار أن الذي يرمي به الشياطين المسترقون نفس النجم، وإنه المعبر عنه بالكوكب وبالمصباح وبالشهاب. وقيل الشهاب عبارة عن شعلة نار تنفصل من النجم أي كما قدمنا فأطلق عليها لفظ النجم، ولفظ المصباح، ولفظ الكوكب، ويكون معنى وَجَعَلْناها رُجُوماً [الملك: الآية ٥] جعلنا منها رجوما وهي تلك الشهب، ومعنى كونها حفظا باعتبار ما ينشأ عنها من تلك الشهب.

وقالت الفلاسفة: إن الشهب إنما هي أجزاء نارية تحصل في الجوّ عند ارتفاع الأبخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التي دون الفلك. وقيل السحاب إذا اصطكت أجرامه تخرج نار لطيفة حديدة لا تمر بشيء إلا أتت عليه، إلا أنها مع حدّتها سريعة الخمود. فقد حكي أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف ثم طفئت قاله في الكشاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>