لا يزال أمرهم ظاهرا إلى أن يجيء الذي تنتظره الأمم. أي المرسل إليهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه المرسل لجميع الأمم.
وما زعمه اليهود بأنه يوشع رد بنص التوراة في محل آخر: إن الله ربكم يقيم نبيا من إخوتكم مثلي، وقد قال لي: إنه سوف يقيم نبيا مثلك من إخوتهم، وأجعل كلمتي في فيه، وأيما إنسان لم يطع كلامه أنتقم منه، لأن قوله مثلي: أي رسولا بكتاب مشتمل على الأحكام والشرائع، وذكر المبدأ والمعاد، لأن يوشع لم يكن له كتاب، بل كان متابعا لسنة موسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل خاصة، وأيضا يوشع منهم لا من إخوتهم، فلو كان يوشع لقال منكم.
وما زعمه النصارى إنه المسيح ردّ عليهم بنصوص الإنجيل التي منها: إن الله يقيم لكم نبيا من إخوتكم، لأن المسيح ليس من إخوتهم بل منهم، لأنه من نسل داود. ففي زبور داود: سيولد لك ولد أدعى له أبا ويدعى لي ابنا، وإخوة بني إسرائيل إنما هم أولاد إسمعيل الذي هو أخو إسحق وبنو إسرائيل منه. وأيضا لو كان المسيح لم يحسن أن يخاطب بهذا اللفظ.
وفي الإنجيل: جاء الله من طور سينا، وظهر بساعير، وأعلن بفاران: أي عرف الله بإرساله موسى وعيسى ومحمدا صلوات الله وسلامه عليهم، لأن ظهور نبوّة موسى كان في طور سينا، وتقدم أنه جبل بالشام. قيل هو الذي بين مصر وإيليا، وأنزلت التوراة عليه فيه. وظهور نبوّة عيسى كان في ساعير وهو جبل القدس، لأن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يسكن بقرية بأرض الخليل يقال لها ناصرة، وباسمها سمي من اتبعه، وأنزل عليه الإنجيل بها. وظهور نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم كان في فاران وهي مكة، وأنزل عليه القرآن بها.
وفي التوراة أن إسمعيل أقام بقرية فاران، وإنما عبر في جانب موسى بالمجيء لأنه أول المشرعين، لأن كتابه الذي هو التوراة أول كتاب اشتمل على الأحكام والشرائع، بخلاف ما قبله من الكتب فإنها لم تشتمل على ذلك، وإنما كانت مشتملة على الإيمان بالله تعالى وتوحيده، ومن ثم قيل لها صحف، وإطلاق الكتب عليها مجاز. ولما حصل بعيسى وبكتابه الذي هو الإنجيل نوع ظهور عبر في جانبه بالظهور الذي هو أقوى من المجيء، ثم لما زاد الظهور بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم عبر عنه بالإعلان الذي هو أقوى من مجرد الظهور.
وقد قيل في تفسير قوله تعالى: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الأعراف: الآية ١٥٧] إنهم يجدون نعته يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [الأعراف: الآية ١٥٧] وهو مكارم الأخلاق وصلة الأرحام وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [الأعراف: الآية ١٥٧] وهو الشرك وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ [الأعراف: الآية ١٥٧] وهي الشحوم التي حرمت على