للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندهم» أي بوقوفهم على أخبارهم «ولا أفضحهم عند الأمم» أي لتأخرها عنهم، وعليه فالضمير في (دنا) يعود إليه صلى الله عليه وسلم. وذكر بعضهم أن دَنا فَتَدَلَّى [النجم: الآية ٨] الآية، عبارة عن تقريبه تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، فالضمير في دنا إلى آخره يعود إلى الله تعالى وهو معنى لطيف. وفي رواية «نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضيّ لهم قبل الخلائق» وفي رواية «نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، تنفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غرّ محجلين من أثر الطهور» وفي رواية «من آثار الوضوء، فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها» هذا، وفي رواية «غرا من أثر السجود محجلين من أثر الوضوء» وفي رواية «فضلت على الأنبياء بست» أي ولا مخالفة بين ذكر الخمس أولا وبين ذكر الست هنا، لأنه يجوز أن يكون اطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي، هذا على اعتبار مفهوم العدد، ثم أشار إلى بيان الست بقوله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة» والخلق يشمل الإنس والجن والملك والحيوانات والنبات والحجر.

قال الجلال السيوطي: وهذا القول، أي إرساله للملائكة. رجحته في كتاب الخصائص وقد رجحه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي، وزاد أنه مرسل لجميع الأنبياء والأمم السابقة من لدن آدم إلى قيام الساعة. ورجحه أيضا البارزي، وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات، وأزيد على ذلك أنه أرسل إلى نفسه.

وذهب جمع إلى أنه لم يرسل للملائكة منهم ما الحافظ العراقي في نكته على ابن الصلاح والجلال المحلي في شرح جمع الجوامع، ومشيت عليه في شرح التقريب. وحكى الفخر الرازي في تفسيره والبرهان النسفي في تفسيره فيه الإجماع هذا كلامه، وبهذا الثاني أفتى والد شيخنا الرملي، وعليه فيكون قوله صلى الله عليه وسلم: «أرسلت للخلق كافة» وقوله تعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: الآية ١] من العام المخصوص أو الذي أريد به الخصوص.

ولا يشكل عليه حديث سلمان «إذا كان الرجل في أرض وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده» لأنه يجوز أن لا يكون ذلك صادرا عن بعثته إليهم.

ولا يشكل ما ورد «بعثت إلى الأحمر والأسود» لما تقدم أن المراد بذلك العرب والعجم. وفي الشفاء: وقيل الحمر الإنس، والسود الجانّ، واستدل للقول الأول القائل بأنه أرسل للملائكة بقوله تعالى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ [الأنبياء: الآية ٢٩] أي من الملائكة إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الأنبياء: الآية ٢٩] فهي إنذار للملائكة على لسانه صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم الذي أنزل عليه، فثبت بذلك إرساله إليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>