ودعوى الإجماع منازع فيها، فهي دعوى غير مسموعة، ثم رأيت الجلال السيوطي ذكر هذا الاستدلال وهو واضح، وذكر تسعة أدلة أيضا، وهي لا تثبت المدعي الذي هو أن الملائكة يكلفون بشرعه صلى الله عليه وسلم، كما لا يخفى على من رزق نوع فهم بالوقوف عليها.
فعلم أنه صلى الله عليه وسلم مرسل لجميع الأنبياء وأممهم على تقدير وجوده في زمنهم، لأن الله تعالى أخذ عليهم وعلى أممهم الميثاق على الإيمان به ونصرته مع بقائهم على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم، فنبوته ورسالته أعم وأشمل، وتكون شريعته في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به أنبياؤهم، لأن الأحكام والشرائع تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات قاله السبكي: أي فجميع الأنبياء وأممهم من جملة أمته صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:«والذي نفسي بيده لو أن موسى عليه الصلاة والسلام كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» .
وأخرج أحمد وغيره عن عبد الله بن ثابت، قال:«جاء عمر رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فسرّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم، «إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين» .
وفي النهر لأبي حيان «إن عبد الله بن سلام استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم على السبت، وأن يقرأ من التوراة في صلاته من الليل فلم يأذن له» وكون جميع الأنبياء وأممهم من أمته صلى الله عليه وسلم، فالمراد أمة الدعوة لا أمة الإجابة لأنها مخصوصة بمن آمن به بعد البعثة على ما تقدم ويأتي. وبعثته صلى الله عليه وسلم رحمة حتى للكفار بتأخير العذاب عنهم، ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الأمم المكذبة، وحتى للملائكة، قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)[الأنبياء: الآية ١٠٧] .
وقد ذكر في الشفاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: «هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال: نعم، كنت أخشى العاقبة، فآمنت لثناء الله تعالى عليّ في القرآن بقوله عز وجل: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)[التكوير: الآية ٢٠] » .
قال الجلال السيوطي: إن هذا الحديث لم نقف له على إسناد، فهو صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر المرسلين وجميع الملائكة المقربين، وفي لفظ آخر «فضلت على الأنبياء بست لم يعطهن أحد كان قبلي: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت أمتي خير الأمم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأعطيت الكوثر، ونصرت بالرعب، والذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه» وفي رواية «فما من أحد إلا وهو تحت لوائي يوم القيامة