ينتظر الفرج، وإن معي لواء الحمد، أنا أمشي ويمشي الناس معي حتى آتي باب الجنة» الحديث.
أقول: قد سئلت عما حكاه الجلال السيوطي أنه ورد إلى مصر نصراني من الفرنج وقال لي: شبهة إن أزلتموها أسلمت، فعقد له مجلس بدار الحديث الكاملية، ورأس العلماء إذ ذاك الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فقال له النصراني والناس يسمعون: أي أفضل عندكم المتفق عليه، أو المختلف فيه؟ فقال له الشيخ عز الدين:
المتفق عليه، فقال له النصراني: قد اتفقنا نحن وأنتم على نبوة عيسى واختلفنا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيلزم أن يكون عيسى أفضل من محمد، فأطرق الشيخ عز الدين ساكتا من أول النهار إلى الظهر حتى ارتج المجلس واضطرب أهله، ثم رفع الشيخ رأسه وقال عيسى قال لبني إسرائيل وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصّف: الآية ٦] فيلزمك أن تتبعه فيما قال، وتؤمن بأحمد الذي بشر به فأقام الحجة على النصراني وأسلم بأنه كيف أقام الحجة على كون محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من عيسى إذ غاية ما ذكر أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأجبت بأنه حيث ثبت أن محمدا رسول الله وجب الإيمان به وبما جاء به ومما جاء به، وأخبر به أنه أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقد سئل أبو الحسن الحمال بالحاء المهملة من فقهائنا معاشر الشافعية: محمد وموسى أيهما أفضل؟ فقال محمد، فقيل له: ما الدليل على ذلك؟ فقال: إنه تعالى أدخل بينه وبين موسى لام الملك فقال تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)[طه: الآية ٤١] وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح: الآية ١٠] ففرق بين من أقام بوصفه وبين من أقامه مقام نفسه والله أعلم.
وفي رواية «إذا كان يوم القيامة كان لي لواء الحمد وكنت إمام المرسلين وصاحب شفاعتهم» وفي لفظ «ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر، وأنا أول شافع، وأنا أول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة: أي حلق بابها، فيفتح الله لي فأدخلها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر» أي وفي رواية «آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، أي بتحريك حلقة الباب أو قرعه بها لا بصوت، فيقول الخازن أي وهو رضوان: من أنت؟ فأقول محمد» وفي رواية «أنا محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح» وفي رواية «أن لا أفتح لأحد قبلك» زاد في رواية «ولا أقوم لأحد بعدك لأفتح له» فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن رضوان لا يفتح إلا له، ولا يفتح لغيره من الأنبياء وغيرهم، وإنما يتولى ذلك غيره من الخزنة، وهي خصوصية عظيمة نبه عليها القطب الخضري، وكون الفاتح له صلى الله عليه وسلم الخازن لا ينافي ما قبله من كون الفاتح له الحق سبحانه وتعالى لما علم أن الخازن إنما فتح بأمر الله فهو الفاتح الحقيقي.