من ذلك الغير أنه قيل كان يتعبد قبل النبوة بشرع إبراهيم. وقيل بشريعة موسى غير ما نسخ منها في شرعنا وقيل بكل ما صح أنه شريعة لمن قبله غير ما نسخ من ذلك في شرعنا.
وفي كلام الشيخ محيي الدين بن العربي: تعبد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته بشريعة إبراهيم حتى فجأه الوحي وجاءته الرسالة، فالولي الكامل يجب عليه متابعة العمل بالشريعة المطهرة حتى يفتح الله له في قلبه عين الفهم عنه فيلهم معاني القرآن، ويكون من المحدثين بفتح الدال ثم يصير إلى إرشاد الخلق. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف قبل أن يدخل بيته الكعبة فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله تعالى ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به ما أراد من كرامته صلى الله عليه وسلم وذلك شهر رمضان، وقيل شهر ربيع الأول، وقيل شهر رجب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله: أي عياله التي هي خديجة رضي الله تعالى عنها إما مع أولادها أو بدونهم، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله تعالى فيها برسالته ورحم العباد بها، وتلك الليلة ليلة سبع عشرة من ذلك الشهر، وقيل رابع عشر منه، وقيل كان ذلك ليلة ثمان من ربيع الأول: أي وقيل ليلة ثالثة.
قال بعضهم: القول بأنه في ربيع الأول يوافق القول بأنه بعث على رأس الأربعين لأن مولده صلى الله عليه وسلم كان في ربيع الأول على الصحيح: أي وهو قول الأكثرين وقيل كان ذلك ليلة أو يوم السابع والعشرين من رجب.
فقد أورد الحافظ الدمياطي في سيرته عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
«من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا» وهو اليوم الذي نزل فيه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة وأول يوم هبط فيه جبريل هذا كلامه، أي أول يوم هبط فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يهبط عليه قبل ذلك، وسيأتي في بعض الروايات أن جبريل عليه السلام نزل في سحر تلك الليلة التي هي ليلة الاثنين.
ويجوز أن يكون كل من تلك الليالي كانت ليلة الاثنين، فقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال:«لا يفوتك صوم يوم الاثنين، لأني ولدت فيه، ونبئت فيه» فلا مخالفة بين كونه نبئ في الليل وبين كونه نبئ في اليوم، لأن السحر قد يلحق بالليل.
وفي كلام بعضهم أتاه صلى الله عليه وسلم جبريل ليلة السبت وليلة الأحد، ثم ظهر له بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان في حراء، فجاء بأمر الله تعالى وهذا القول: أي أن البعث كان في رمضان قال به جماعة، منهم الإمام الصرصري حيث قال:
وأتت عليه أربعون فأشرقت ... شمس النبوة منه في رمضان