للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجوا بأن أول ما أكرمه الله تعالى بنبوته أنزل عليه القرآن. وأجيب بأن المراد بنزول القرآن في رمضان نزوله جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة في سماء الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فجاءني وأنا نائم بنمط» وهو ضرب من البسط، وفي رواية «جاءني وأنا نائم بنمط من ديباج، فيه كتاب أي كتابة، فقال اقرأ، فقلت:

ما أقرأ» أي أنا أمي لا أحسن القراءة أي قراءة المكتوب أو مطلقا «فغطني، أو فغتني» بالتاء بدل من الطاء به: أي غمني بذلك النمط، بأن جعله على فمه وأنفه قال: «حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال اقرأ أي من غير هذا المكتوب، فقلت: ماذا أقرأ وما أقول ذلك إلا افتداء منه: أي تخلصا منه أن يعود لي بمثل ما صنع أي إنما استفهمت عما أقرؤه ولم أنف خوفا أن يعود لي بمثل ما صنع عند النفي: أي وفي رواية «فقلت والله ما قرأت شيئا قط، وما أدري شيئا أقرؤه» : أي لأني ما قرأت شيئا فهو من عطف السبب على المسبب قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) [العلق:

الآيات ١- ٥] فقرأتها فانصرف عني، وهببت» أي استيقظت «من نومي فكأنما كتب في قلبي كتابا» .

أقول: أي استقر ذلك في قلبي وحفظته. ثم لا يخفى أن كلام هذا البعض، وهو أنه جاءه ليلة السبت وليلة الأحد، ثم ظهر له يوم الاثنين، محتمل لأن يكون أتاه بذلك النمط في ليلة السبت وليلة الأحد، وسحر يوم الاثنين وهو نائم لا يقظة لقوله: «ثم هببت من نومي» .

ولا ينافي ذلك قوله، ثم ظهر له بالرسالة، أي أعلن له بما يكون سببا للرسالة الذي هو أقرأ الحاصل في اليقظة. وحينئذ يكون تكرر مجيئه هو السبب في استقرار ذلك في قلبه صلى الله عليه وسلم. وحينئذ لا يبعده قوله في الليلة الثانية: «ما قرأت شيئا» لأن المراد لم يتقدم لي قراءة قبل مجيئك إلي، ولا يبعده أيضا قوله: «ما أدري ما أقرأ» لأنه لم يستقر ذلك في قلبه لما علمت أن سبب الاستقرار التكرر، فلم يستقر ذلك في قلبه صلى الله عليه وسلم في الليلة الأولى.

وفي سيرة الشامي أن مجيء جبريل عليه السلام له صلى الله عليه وسلم بالنمط لم يتكرر، وأنه كان قبل دخوله صلى الله عليه وسلم غار حراء، وهذا السياق يدل على أنه كان بعده.

وفي «سفر السعادة» ما يقتضي أنه جاء بالنمط يقظة في حراء، ونصه «فبينما هو في بعض الأيام قائم على جبل حراء إذ ظهر له شخص وقال: أبشر يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله لهذه الأمة، ثم أخرج له قطعة نمط من حرير مرصعة بالجواهر ووضعها في يده وقال: اقرأ، قال والله ما أنا بقارئ ولا أدري في هذه الرسالة كتابة» أي لا أعلم ولا أعرف المكتوب فيها، قال: «فضمني إليه وغطني حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>