للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلغ مني الجهد، فعل ذلك بي ثلاثا وهو يأمرني بالقراءة، ثم قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.

هذا كلامه فليتأمل، والله أعلم «قال فخرجت» أي من الغار: أي وذلك قبل مجيء جبريل إليه صلى الله عليه وسلم باقرأ خلافا لما يقتضيه السياق «حتى إذا كنت في شط من الجبل» أي في جانب منه «سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه، فإذا جبريل على صورة رجل صافّ قدميه» أي وفي رواية «واضعا إحدى رجليه على الأخرى في أفق السماء» أي نواحيها «يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه، فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا، ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك، ثم انصرف عني وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة: أي في الغار، فجلست إلى فخذها مضيفا إليها أي مستندا إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك فبلغوا مكة ورجعوا إلي» .

أقول: وهذا يدل على أن خديجة رضي الله تعالى عنها كانت معه بغار حراء، وهو الموافق لما تقدم من قوله ومعه أهله أي خديجة رضي الله تعالى عنها على ما تقدم.

وقد يخالف ذلك ما روي أن خديجة رضي الله تعالى عنها صنعت طعاما ثم أرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجده بحراء، فأرسلت في طلبه إلى بيت أعمامه وأخواله فلم تجده، فشق ذلك عليها، فبينما هي كذلك إذا أتاها فحدثها بما رأى وسمع، فإن هذا يدل على أنها لم تكن معه صلى الله عليه وسلم بحراء.

وقد يقال: يجوز أن تكون خرجت معه أولا وأرسلت رسلها إليه صلى الله عليه وسلم وهي بحراء فلم تجده، وأن الرسل أخطؤوا محل وقوفه صلى الله عليه وسلم بالجبل الذي هو حراء، ثم رجعت إلى مكة وأرسلت رسلها إليه صلى الله عليه وسلم بحراء، لاحتمال عوده إليه، ثم أرسلت إلى بيت أعمامه وأخواله لما لم تجده صلى الله عليه وسلم بحراء، فإرسالها تكرر مرتين مع اختلاف محلها، ويكون قوله: «وانصرفت راجعا إلى أهلي» : أي بمكة لا بحراء، لأنه يجوز أن يكون بلغه رجوع خديجة رضي الله تعالى عنها إلى مكة.

هذا على مقتضى الجمع. وأما على ظاهر الرواية الأولى يكون رجوعه إلى أهله بحراء كما ذكرنا، وهو يدل على أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى شط الجبل كان من غار حراء كما ذكرنا لا من مكة الذي يدل عليه قول الشمس الشامي «فخرج مرة أخرى إلى حراء، قال: فخرجت حتى أتيت الشط من الجبل سمعت صوتا» إلى آخره فليتأمل والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>